وزيره، فعرض عليه الوزارة وألح عليه في ذلك وأخذ يغريه بالجاه والمال. ولما كان ابن زيدون لا يقدر العواقب، فقد خاض في أشياء تمس ابن جهور، وكثيراً ما كان يسخر منه، ولم يكن يعلم أن هناك من يحصي عليه القول ويرقبه عن كثب. قال مرة يمدح المظفر
عليك إذا سابقته الملوك ... حوى الخصل أو ساهمته سهم
فأطولهم بالأيادي يداً ... وأثبتهم في المعالي قدم
وأروع لا معتفى رفده ... يخيب، ولا جاره يهتضم
ذلول الدماثة صعب الإباء ... ثقيف العزيم إذا ماأعتزم
وقال مرة أخرى:
أشف الورى في النهى رتبة ... وأشهرهم في المعالي مثل
إلى آخر ما قال في مدح أسبغ فيه على الرجل صفات العظمة، بل وحصرها فيه، ولم يكتف بذلك بل عرض ويغيره من الأمراء الآخرين ومنهم سيد نعمته ابن جهور. وكان جاسوس ابن عبدوس لا يترك شاردة ولا واردة إلا قيدها، فكان يكتب كل مرة ما يفوه به ابن زيدون في مجلس المظفر وكل ما يقوله من الشعر ثم يلونه بما يشاء ويضف إليه ما يعرف أنه يزيد من عظم الأمر الذي جاء من أجله ويجزل له العطاء (أي الجاسوس).
وما أن وصلت هذه الأشياء إلى يد ابن عبدوس حتى تهلل وجهه بشراً، ثم أضاف إليها ما شاء من أشياء يعرف أنها تزيد في أيغار صدر ابن جمهور على وزيره، وقام بتبليغه بما حصل عليه من أخبار على خير وجه، وكان ابن جمهور (رجلاً أذناً، ينصت لكل نمام ويلقي السمع لكل واش) فامتلأ صدره حقداً وغلى مرجل غضبه، وقال ويل له منى! ماذا ترك لي إذا كان المظفر أشف الناس رأياً وأحراهم بالنهي، ومن سواه الذي إذا قلد الأمر جار والذي إذا ملك الفيء غل، إن يقصدني فلأمه الهبل.
فلما عاد ابن زيدون من سفارته لحظ تغييراً كبيراً في معاملة ابن جمهور له وانصرافه