وقد تقول محتجاً ومعارضاً: نستطيع أن نفهم ونسيغ أن يكون من فضل الشتاء على الناس وخيره العميم أنه يحجب عنهم مظاهر القبح فيمن حرموا الجمال بما لابد أنهم مخبؤه من أجسامهم الشوهاء المضطربة بما يلففون به أنفسهم من أردية وأكسية ثقيلة، حتى لا يكاد يبدو الاضطراب والتشويه. قد تقول: إننا نستطيع أن نُسيغ هذا ونفهمه، ولكن كيف نفهم أن يكون إخفاء الحسن والجمال والفتنة من أنعم الشتاء عندنا وفضله العميم علينا؟
وأجيب: إنك بلا ريب تحمد للشتاء أن يخفي عنك الفرو الغزير حول العنق فتنة الجيد العاجي، وما يصله بأعلى الصدر من نحر يطل عليك إطلالة الفجر. وتحمد للشتاء أن يخفي عنك بالمعطف الثقيل والدثار الكثيف والصوف الخشن الصدر الناهد البض، والترائب المصقولة والأعضاء المملوءة والرداء الشف يخفي شيئاً ويبدي أشياء فتكون الفتنة - وايم الله - أشد من فتنة العرى الكامل!! وتحمد للشتاء أنه يخفي عن عينك ضمور الخصر وهيف القد والساقين لفرط انسجامها لا تدري أهمها إلى الربالة والامتلاء، أم هما إلى الدقة والنحافة. ستحمد للشتاء كل أولئك لأنك تحب أن يثوب إليك رشدك والعازب من لبك، وتحب أن تنقطع شيئاً آهاتك وتغيب حيناً مثيرات الحرمان والحسرة في فؤادك.
أفبعد هذا لا نصوغ للشتاء عقود المدح والثناء. ونردد قول الشاعر:(سلام الله يا مطر عليك). سواء (أعنى الشاعر مطر السماء أم عنى اسما من الأسماء؟!