في قرارة نفسه، فلا يراها إلا وحدة متماسكة الأطراف متساوقة لا تناقض فيها، ويراها طريقاً إلى غايته وسبيلاً إلى أداء فكرته، وأنه ليشعر بحيرته بين كل هذا، ولكنها حيرة الشاعر أمام ربط معاني قصيدته حتى يلم بها فإذا هي آية تؤلف بين أبياتها وحدة تامة فيقول:
عييت من قلقي فيما وجدت له ... وفي المعاني لكوني أو لأحلامي
أسائل الدهر عنها وهو مضطرب ... مثلي، وأصحب كالمبهوت أعوامي
وأنتحي عن وجودي شبه منعدم ... في الصمت، والصمت آمالي وآلامي
في حيرة وكأني عالمٌ يئست ... منه الحياة فعافت روحي الدامي
أبكي وأضحك في نفسي فإن بها ... من التناقض إيساري وإعدامي
ما بين ضدين قد عاشت وليس لها ... من شاغل غير معنى عيشها السامي
تصدّرت لهموم الناس تسعدهم ... وعوقبت بين أحبابٍ وأخصام
ولقد ظلت غايته، وهي نشدان المثل الأعلى، تتبعه كظله حتى أكسبته هذه الشخصية: شخصية الصوفي العالمي؛ فهو أمام الجمال المغري صوفيّ يحوّل الشهوة الصاخبة في أعماق جسده فناً يملأ روحه ويغمرها، ولا يرى في ذلك الجمال إلا روح الوجود وروح الفن كما في قصيدته (العيون المتكلمة).
ولقد جاهر الكثيرون ممن نقدوا أبا شادي بأن في قصيدته (الينبوع) التي يقول فيها:
أيها الينبوع كم ساع إليك ... يدعي بغضاً كما أهوى لديك
كل ما يرجوه موقوف عليك ... فإذا الانعام منك وإليك!
أنت سحر غامضٌ للعالم ... أنت ينبوع الرجاء الدائم
أنت موسيقى الخلود الباسم ... أنت ومض للشريد الهائم!
أيها الينبوع يا رمز الأبد ... يا شعاع الله في طيف الجسد
كم معانٍ فيك كادت لا تحدّ ... وعزاءٍ عن حياة تفتقد!
دعوةً صريحة إلى الشهوة، وأن ليس فيها نظرة صوفية، ذلك أن فيها تقديساً للجسد، وتقديس الجسد ليس من معاني الصوفية عندهم. فهل يرى هؤلاء أن الشهوة حقيرة للدرجة التي لا تسمح للشاعر بأن يتناولها في فنه مع أنها الدافع الأول إلى خلق مواهب الفنانين،