وليست العبقريات إلا شهوة تجمعت في عدسة عين صوفية فتطهرت واستحالت سمواً. ومن منا ينكر أن هناك مثّالين عبدوا تماثيلهم وفتنوا بها بعد أن كانت فتنتهم وقفاً على المثال، وهل عيب عليهم تصويرهم جسد امرأة عارية تحمل معنى من معاني القداسة يراها المثّال ويراها كل من مسته يد الفن وإن خفيت على بعض الناس.
إن الفنان عندما يتكلم عن الأجساد أو يصفها لا تكون لديه إلا فكرة واحدة هي تقديس الجمال، وهذا هو ما عناه الدكتور أبو شادي في قصائده عن الجمال والحب، وما عبر عنه بقوله:
عبثي هو الفن الجميل، وروحه ... روح السمو وإن يعدّ ضلالا
يعيش أبو شادي في بيئة ظالمة جاحدة، تحيط به خصومات وأحقاد وأعداء مناوئون، وقصيدته (المهزلة) التي صور فيها هذه البيئة تصويراً بديعاً سكب فيه من شعوره ما يتدفق حاراً، من أقوى الشعر الاجتماعي العاطفي. وفيها يقول:
ويلي من الدهر! يبكيني ويبتسم ... ولا يرد عوادي جَوْرِهِ السقمُ
قد عدَّ شر ذنوبي ما يفيض به ... قلبي إلى الناس من حب ويزدحم
ويلي من الدهر! ويلي! مَن أقرَّ له ... هذا العتوّ؟ وهل في الحب متهمُ
أطلّ دمعي وماء العين مضطرم ... وهاج وجدي وسخط القلب محتدمُ
أنا الذي في شكاتي يزأر الشمم ... وفي بكائي وناري يهزم الألمُ
سخرت من بيئتي لما برمت بها ... ونُحت لكن نواحي كله كرم
لست الذي إن تغالي في محبته ... فساءه الدهر عمراً ناله الندم
وهو إذ يصور لنا البيئة المصرية - وكم له من صور عنها! منها الحزينة الهادئة والصارخة الملتهبة والمتهكمة اللاذعة! - وينغمس في مناقشات ومجادلات لا يفقد شخصيته البارزة، تلك الشخصية الصوفية الزاهدة فيقول:
وعشتُ في وحدتي الموفورَ في شرفي ... أبكي وأضحك والأحداث تلتطمُ
ولقد جمع ديوان (الينبوع) صوراً شتى لصوفية أبي شادي الغالبة عليه منها هذه الأبيات من قصيدة (غليون الشاعر)
أشعل الغليون من نا ... ري وحيداً في الظلام