ناظراً نحو سماء ... في ضرام كضرامي
حبأتها غير لمعٍ ... في نجوم كابتسامي
حرقة الدنيا أطلت ... من ثقوب في الغمام
كل ما فيها جميل ... هو قلب في اضطرام
وكأن الخالق الفن ... ان يشقى بالتسامي
وهذه الأبيات من قصيدة (وداع الشاطئ في الإسكندرية) هي لوعة الفنان العازف بين الصخور الصمّاء:
إيه يا قلب تأمل ... هذه دنيا الصراعِ
يبدع الفنان لكن ... هو كالنور المشاعِ
خاسر مهما تفانى ... في وفاءٍ وابتداعِ
وفي قصيدته (عيش الألوهة) صفحة ٦٣ نزوع قوي إلى التغلغل في أعماق كل ألوان الجمال، ليعيش في لبه وصميمه عيشة الألوهة، بعيداً عن أذى الحياة في حلم من أحلام الجنة. ولقد تلعب ريشته وترقص، فترسم لنا أخيلة لتلك السعادة التي يحكم بها في هدوئه وتصوفه
فأبو شادي ذلك الإنسان الدائم الحركة، الموزع الجهود، المختلف الصور، المتناقض السبل، رجل يحمل في طياته شخصية واحدة تظهر في شعره دائماً أتم الظهور، وفي قصيدته (بعد الكفاح) التي يتكلم فيها عن القطن المكدس بعد جنيه، فيعطينا منه فكرة، هي تلك الفكرة التي تشغل باله، والتي تشرق وتغرب فيها شخصيته، فيقول:
هذي بقايا القطن ترقد في الثرى ... كجنود حرب بعد طول كفاحِ
صرعى مجندلة، ولكن بعدما ... ضحت بأجمل نورها الوضاحِ
حتى النبات يرى الضحية واجباً ... ومُنىً فليس يضنُّ بالأرواحِ
هذه الشخصية التي تجلت لي في مطالعة (الينبوع) شخصية أبا شادي التي تلابس شعره هي بنفسها التي طالعتني وتجلت لي يوم قرأت دواوينه السابقة، وهي هي بنفسها التي يعيش بها بين الناس، فليس من الحق أن ننكر على شعرائنا ثبات شخصياتهم في شعرهم إلا إذا دققنا واندمجنا في روح الشاعر.