لها لص من لصوص الأعراض سحر الخطيئة. فأكلت من الشجرة الملعونة ثم تنكر لها. وعلم أهلها بعارها فنبذوها، وعضها الجوع وأذلتها الحاجة، فخرجت إلى الطرقات دامعة العين مصدوعة القلب غير مستعصية على طالب متعة لقاء ثوب تلبسه، وفضلة من طعام تأكلها. ولقد هتفت بكل ما فيه من رجولةورحمة أن يستبقيها في بيته خادما ترعاه وتعبده، وأن يمسك عليها تلك البقية الباقية من شباب ذبلت زهرته، وحياء كادت تأتي عليه عوادي الليل وأحداث النهار. . . . . . فتجمعت الدموع في عيني الشاب عطفا عليها ورثاء لها. وبدأت تخامر قلبه من نحوها عاطفة مجهولة غامضة. عاطفة إن لم تكن حبا فهي قريبة من الحب. وأجمع أمره على أن يعصمها من السير في هذه الطريق الشائكة الملتوية. وسيشعرها في جواره هناء الحياة ولين العيش. وحسبها تكفيرا عن زلتها ما لاقته من أهوال وخطوب.
ولبثت في بيته عاما كاملا لا تكشف الأيام منها في خلاله إلا عن كل ما يملك القلب ويأسره، خلق رضي كالماء رقة وعذوبة ووفاء يسمو إلى حد التضحية. وعرفان للجميل أحبته من أجله حبا هو أشبه بالعبادة والتقديس منه بأي عاطفة أخرى. وأحس الشاب إحساسا عميقا بهذا كله فبادلها حبا بحب، ووفاء بوفاء. وأقدم على الزواج منها زواجا رسميا ترامت أخباره في الريف إلى أبويه وهو وحيدهما. فجن جنونهما وثارا به ثورة عنيفة لم يجد في تهدئتها توسل ولا رجاء. وآذناه بالقطيعة والحرمان من ثرائهما العريض إن هو لم يفصم تلك الروابط التي تربطه بهذه المرأة الآثمة كما نقل إليهما خادمه الريفي الذي هجره من عهد قريب.
وبعد. . . فهل يهدم الشاب هذا العش الجميل الذي يتذوق فيه السعادة خالصة والنعيم محضا ليجدد على أنقاضه مودة أبوية. وليرضي تقاليد الأسرة العريق التي ينتمي إليها، ويرسل تلك المرأة التي تعبده الآن وتسعده، لتحيا من جديد حياة كلها عار ورجس ودنس. أم تراه يمسك عليه زوجه ويدع للأيام أن تبلي غضب أبويه كما يبلي في هذه الحياة كل شيء. . . . هذا هو الموضوع. ويسعدني أن أشرك معك أيها الصديق في إبداء الرأي كرام الكاتبين من قراء (الرسالة) العظيمة.