القراءة الثانية من فنون الجمال ما لم تستكشفه في القراءة الأولى، بل تجد في كل قراءة فنونا جديدة من الجمال لم تجدها في القراءات التي سبقتها)
هذا صحيح إذا تمكن الشاعر من إيداع قصيدته الصور الذهنية التي تخلق للقارئ هذا الجمال، والصور الذهنية في الواقع سداها الألفاظ ولحمتها المعاني التي تبرز تراكيب هذه الألفاظ في عبارات وجمل
فجمال الشعر إذن يأتي من طريق مذهب الشاعر في فن الشعر إذا كان هذا المذهب خليقا بأن يظهر المعاني المقصودة بحلل قشيبة جذابة، ومذهب الشاعر في فن الشعر ليس أجل خطرا من المعاني إلا إذا تمكن الشاعر من أن يودع قصيدته المعاني أولا. وبتعبير آخر لا يمكننا أن نعترف للشاعر بمذهب (خاص كان أو عام) إن لم يودع القصيدة التي ينشئها المعاني التي يقصدها.
فإذا أنشأ الشاعر قصيدة وجاء الناس يتساءلون منه ماذا أراد أن يقول بهذه القصيدة، فهذه القصيدة أما أن تكون خالية من المعنى وأما أن يكون صاحبها عند نظمها مرتبك الأفكار والخواطر مزعزع الحس والشعور إلى حد انه لم يستطع أن يودع قصيدته معنى معينا. فإذا كنا نسمي هذا شاعرا ويعتبر ما يودع في منظوماته من أفكار مشوشة غير معينة ولا مفهومة (غموضا) ثم نتحرى تحت طيات هذا الغموض إبداعا فنيا يزينه إلينا خيالنا المحض، فيجب أن نعتبر عوام الناس طرا شعراء مبدعين بكل ما تمر بين شفاههم من عبارات مرتبكة يسوقونها عندما تثأر نفوسهم ببعض الظواهر والمشاعر. ويجب أكثر من ذلك أن نعتبر الجمل المرتبكة المتقطعة المبهمة التي يتمتم بها الطفل عندما يجابه منظرا غريبا أو حادثا جديدا غموضا ينطوي على إبداع فني.
وبهذا نكون قد أسرفنا في الإساءة إلى الفن والى الإبداع والى الشعر والبيان إساءة عظيمة