ولا يرضيهم في الزمن الحاضر، أن يعيش الناس وادعين راضين في ظلال النظم المشروعة، فهبوا يعارضون أوامر الله ووصايا الرسل بتسليط الغرائز وتحكيم الشهوات وإثارة الفتن، فتمردوا على الدين، وتحللوا من القيود، وقال القرامطة:(لا حقيقة في هذا الوجود وكل أمر يباح) بذر هذه البذرة الملعونة في الشرق الإسلامي بابك الخرمي في القرن الثالث من الهجرة، ومن بعده عبد الله بن ميمون، ومن بعده الحسن الصباح شيخ الجبل، وأغروا بثمارها المحرمة عباد اللذة ورواد المنكر من ضعاف العقول وصغار الأنفس، وأمعنوا في الغي والظلال، واشتركوا في النساء والأموال؛ وفي سبيل ذلك نشروا الإرهاب، وبددا النظام، وزعزعوا الأمن.
كان أولئك الطماعون الخادعون يقترفون هذه الكبائر تحت ستار من الدين والخلق: فبسلطان الدين كانوا يشيعون الإلحاد، وباسم الخلق كانوا ينشرون الإباحية. ولكن للإسلام منبعين من كتاب الله وسنة رسوله لا يزالان يتفقدان بالصفاء والطهر والعذوبة؛ فإذا تلوثت مجاريه البعيدة بمثل هذا الدنس أقبل الفيض الإلهي فجرف تياره القوي كل عفن، وطهر ماؤه النقي كل رجس.
وفي هذا العصر الحديث تجددت المزدكية والبابكية باسم الفوضوية والشيوعية، فقامتا تدعوان باسم الإنسانية إلى الإلحاد والإباحية سراً وعلانية. تقول الشيوعية للإسلام: إن ربك ظالم لا يعرف العدل، جائراً لا يعرف المساواة، مستبد لا يعرف الحرية. لا يعرف العدل لأنه يقول: والله فضل بعضكم على بعض في الرزق، وأنا أريد أن يكون الرزق مشاعاً ينال كل أمريء ما يشاء. ولا يعرف المساواة لأنه يقول: ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات، وأنا أريد أن يكون الناس في كل أمر سواء. ولا يعرف الحرية لأنه قيد كل شيء بقيد: قيد الرزق بالملكية، وقيد المرأة بالزوجية، وقيد تصرف النفوس بالعقيدة والخلق، وقيد تداول الأموال بالوقف والإرث. أما أنا فأقول: كل شيء مشاع، وكل أمر مباح، وكل إرادة طليقة،. حرمت الملكية، ومحوت الأسرة، وألغيت الجنسية، وأنكرت الوطنية، وجعلت المزارع والمصانع والنساء وسائل للإنتاج العام: آخذ من كل حسب كفايته، وأعطى كل حسب حاجته. على الناس أن يعلموا، ولهم أن يأكلوا. . أما أن يكون للأفراد أملاك تغنيهم عن الإنتاج، وللآباء أبناء يشغلونهم عن العمل، والولد ولد الدولة. وليس بين الرجل