وخوفوا التستري من وجود المؤيد وقالوا له:(كيف تطوع لك نفسك أن تأخذ هذا الرجل الأعجمي المقام الذي أنت مخصوص به، وما يؤمنك أنك إذا أدخلته أخرجك وإذا قدمته أخرك، وهو أبسط منك لساناً وأقوى جناناً، وهو يدل بعزة الإسلام والتخصيص بالدعوة والخدمه) فكان لهذا الكلام وأمثاله أثر في نفس التستري الذي قلب للمؤيد ظهر المجن وأوعز لبعض حاشيته للتحرش بالمؤيد حتى ضاق المؤيد ذرعاً، كان يلتفت حوله فلم يجد له ناصراً ولا معيناً حتى الوزير الفلاحي لم يستطع مساعدته ومؤازرته في هذا الوقت، وهنا أجد في سيرة المؤيد التي كتبها عن نفسه صورة دقيقة لحالة رجال مصر في هذا الوقت، ولا سيما لهؤلاء الذين يتنافسون للوصول إلى الحكم وإلى المؤامرات التي كان يدبرها بعضهم لبعض التي أدت إلى اضطراب البلاد، والغريب أن يصدر هذا الكلام من رجل خدم الدعوة الفاطمية وأشاد بذكر الفاطميين وفضائلهم وتهكم بخصومهم، ومع ذلك كله كان المؤيد في سيرته مؤرخاً صادقاً صور حالة مصر كما هي دون تحيز لإمامه أو خوف ممن تناولهم من معاصريه، فقد كانوا جميعاً يخشون ازدياد نفوذ المؤيد فعملوا جميعاً على الإيقاع به. لذلك فكر المؤيد في الخروج من مصر بل استعد فعلاً للرحيل، ولكن التستري خاف من المؤيد إذا خرج من مصر فمنعه من الرحيل ليكون تحت رقابته ورقابة عيونه، فاضطر المؤيد أن يكشف القناع عن هذا الرجل وأن يهجو التستري في كل مناسبة تتاح له، فبسط فيه لسانه في المجالس والأندية دون خوف أو وجل إلى أن قتل التستري سنة ٤٣٩هـ
وصفا جو مصر للوزير الفلاحي الذي كان يعطف على المؤيد بعض العطف. لذلك نراه يسمح للمؤيد بمقابلة إمامه المستنصر. وتمت هذه المقابلة في آخر يوم من شعبان سنة ٤٣٩؛ وهنا أترك للمؤيد وصف مقابلته الأولى لإمامه:(وكنت في مسافة ما بين السقيفة الشريفة والمكان الذي ألمح فيه أنوار الطلعة الشريفة النبوية، فلم تقع عيني عليه إلا وقد أخذتني الروعة وغلبتني العبرة وتمثل في نفسي أنني بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ماثل، وبوجهي إلى وجهيهما مقابل، واجتهدت عند وقوعي إلى الأرض ساجداً أن يشفعه لساني بشفاعة حسنة بنطقه، فوجدته بعجمة المهابة معقولاً وعن مزية الخطابة معزولاً، ولما رفعت رأسي وجمعت عليّ ثوبي