للقعود، وجدت بناناً يشير إلي بالقيام، فقطب أمير المؤمنين خلد الله ملكه وجهه عليه زجراً على أنني مار رفعت به رأساً، ولا جعلت له قدراً ومكثت بحضرته ساعة لا ينبعث لساني بنطق ولا يهتدي لقول، وكلما استر الحاضرون مني كلاماً ازددت إعجاماً ولعقبة العي اقتحاماً وهو خلد الله ملكه يقول:(دعوه حتى يهدأ أو يستأنس)، ثم قمت وأخذت يده الكريمة فترشفتها وتركتها على عيني وصدري ودعيت وخرجت)
وعين المؤبد بعد ذلك حاجباً على باب المجلس الذي يدخل منه إلى أم الخليفة المستنصر الفاطمي، حتى يكون على صلة دائماً بإمامه، وقنع المؤيد بهذا العمل المتواضع لا لشيء إلا لأنه سيكون على قرب من الإمام، ولكن اليازورى خليفة التستري، خشي مغبة اتصال المؤيد بالمستنصر فعزله بعد ثلاثة أشهر واشتدت نكبة المؤيد بقتل الوزير الفلاحي وتولية الجرجرائي الوزارة بعده، فقد كان هذا الوزير الجديد يخشى على مركزه وسلطته من المؤيد، فعادت إلى المؤيد سيرته الأولى من كثرة الأعداء حوله وعن ذلك يقول المؤيد (وتحيرت في شأني لا أفتح عيناً إلا على عدو، ولا أرى في جهة من الجهات إلا ضمير سوء)؛ فصمم المؤيد على السفر من مصر، وبلغ اليازروي ذلك فاستدعاه وأقنعه بالعدول عن عزمه، فظن المؤيد أن هذا التبليغ بإيعاز من المستنصر فاضطر إلى الخضوع، ولا سيما وقد أصبح اليازوري الداعي الأكبر، وكان اليازوري، كما وصفه المؤيد رجلاً عاطلاً من المواهب التي تؤهله لمرتبة الدعوة؛ فأراد المؤيد أن يتقرب إليه وأن يصلح علاقته معه، فاتفقا على أن يضع المؤيد المجالس والمحاضرات التي يقرؤها داعي الدعاة عادة كل يوم خميس على أتباع المذهب، واجتهد المؤيد في تحسين وتجميل هذه المحاضرات حتى يعلم اليازوري أن المؤيد قد أخلص الخدمة له، واستمر الأمر على هذا المنوال مدة طويلة كان اليازوري يلقي المحاضرات التي كتبها المؤيد وكأنها من إنشائه حتى ولى اليازوري الوزارة سنة ٤٤٢، فلم يشك الناس في أن أمر الدعوة صار إلى المؤيد، دون غيره، ولكن خاب فألهم إذ ندب لها أحد بني النعمان وأعتذر اليازوري للمؤيد بكلام خفف آلامه بعض الشيء ووعده وعداً حسناً، وانتظر المؤيد الوفاء بهذا الوعد، ولكنها لحقت بالوعود الأخرى، فاشتد حنق المؤيد، وأرسل إلى الوزير يهجوه، فتوعده الوزير وهدده، والمؤيد كعادته لم يأبه بوعيد ولم يخش من تهديد، فاستمر في حملته ضد الوزير وانقطع عن لقائه