عن الجواب في كثير من الأحيان، وأن أسلوبه أسلوب رجال السياسة؛ وناهيك بهم إذ يكونون شرقيين مع ذلك، وعلى خبرة بالمواقف المعضلة، وحرص من التورط في التصريح، فهو في البيئة الغالبة على فقهاء الإسلام لا مراء
وعدت أقول: لقد سمعت أن الشبان عندكم يجنحون إلى نزعات (التفكير الحر) ويحاولون أن يزيدوا القرابة بين الدين والعلم. فهل صحيح ما سمعت؟
فقال الشيخ:(لا أظن الشبان المصريين أقل تديناً اليوم من أمس؛ إذ ليس في القرآن ما يعارض الحقائق العلمية، ولا تناقض بينهما في شيء
وأردت أن أخوض فيما أصرح وأجرأ مما تقدم فسألت: ألا ترى أن العنصر الروحي - أو الغيبي المتصل بما وراء الطبيعة - هو أهم العناصر في الديانات؟
قال الشيخ في سكينة ولطف: من ذا الذي يعلم كنه الله وكنه الروح؟ إن بعض أساتذتنا يتحدثون عن المادة كأنها حقيقة، وبعضهم يتحدثون عنها كأنها وهم أو فرض مفروض؛ وليس من يعلم الصواب علم اليقين، فإن القرآن لا يفصل بين القولين، ولكنه يحكم حكمه في أمور شتى كأمور الزواج والمواريث والمعاملات
فسألته: وماذا تقولون في قبول العلماء لنظرية قدم المادة؟
ولا ريب أن الأستاذ المراغي لم يكن يتوقع قط أنني علمت شيئاً عن هذه القضية، إلا أنه لم يظهر الدهشة، ولم يبد عليه إلا قليل من مفارقة السكينة التي لزمته حتى الساعة كأنها قناع لإخفاء ما وراءها من قلة الاكتراث. فقد انبعثت الحياة من خلالها وقال:
(إنك لم تقع على الخبر الصحيح في هذه القضية، فليس هناك إلا أن عالماً كتب رسالته في علم الأصول ليعبر فيها عن رأيه وما انتهى إليه اجتهاده)
فبادرت قائلاً: ألم يكن صاحب الفضيلة وأعوانه من العلماء مرجع الامتحان في هذه القضية؟
فابتسم الشيخ المراغي وهو يقول:(إن رأياً كهذا قد كان يحسب من الزندقة قبل خمسين سنة، وما كان أحد ليجسر على تقديمه في جامعة إسلامية. فما أعظم التغير في أطوار الزمان! نحن اليوم أدنى إلى الحرية والسماحة)
واستطرد الكاتب إلى أسئلة وأجوبة من هذا القبيل، انتهى منها إلى المذاهب الاجتماعية