والشطط في الدعوات الفكرية، وسجل رأي الشيخ الأكبر أن الوقاية من جميع ذلك إنما هي الدين وتعليم الإسلام على أصوله
أما حديثه مع صاحب المعالي أحمد لطفي السيد باشا فقد مهد له بوصف الأستاذ وملابسه الإفرنجية الأنيقة ومعيشته العصرية، ثم استهله بهذا السؤال:
(ما هي أكبر رسالة ثقافية قامت مصر بأدائها في رأيكم خلال القرون الأربعة التي خضعت فيها للحكومة التركية؟)
فأجاب وأصابعه النحيلة تعبث بحبات المسبحة العاجية:(إنما هي عمل الجامع الأزهر في جميع الكتب الفقهية)
فقلت: ألا ترون أن حصر رسالة ثقافية تؤديها الأمة في عمل واحد لا يتجاوز جمع الموضوعات الفقهية خليق أن يشير إلى شيء من ضيق النطاق؟
فرفع لطفي باشا حاجبيه هنيهة واضطرني بذلك أن أعقب على ما أسلفت مستدركا:
(إن كثيراً من الغربيين يزعمون أن تفكير العرب (تجريدي). . . فإذا كانت العبقرية القومية لا تخرج في مدى القرون الأربعة ثمرات ثقافية غير الفقه والشريعة فهذا الزعم ليس بالمخالف كل المخالفة للإنصاف فيما يلوح لأول نظرة)
فسألني: ماذا تعني بالتفكير التجريدي؟
قلت: إن التفكير الإنجليزي مثلاً واقعي مجار للحوادث، لأنه يتناول كل حادثة كما تعرض في حينها، وهو من ثم نقيض الفروض النظرية والمباحث الجدلية. أما تفكير العرب فهو رهن بالقواعد المرسومة والنظريات المعلومة؛ ويلوح عليه أنه شبيه بهندسة البناء العربية، لا يحتوي صورة من صور الحياة الماثلة في بنية الإنسان وملامح وجهه، وكل ما فيه هندسة وتناسق خطوط. . .)
قال لطفي باشا وهو يشفع كلامه بابتسامة معتذرة:
(آسف لأنني لا أستطيع مجاراتك في حكمك. فالذي يبدو لي أن الفكر العربي أشد إيغالاً في الواقعيات من الفكر الأوربي. وهذه شريعتنا الدينية التي استشهدت بها على نزعته التجريدية تتناول شؤون الحياة اليومية ولا تقتصر على مسائل اللاهوت والأخلاق كما هو الحال في الشريعة المسيحية؛ وهي تفيض بالوصايا في أمور المعيشة والزواج والميراث