وما شاكل ذلك. وأحسب أننا أقرب إلى معرفة الحقيقة حين ندرس (مخيلة) الأمة كما تتمثل في ديانتها. فكيف ترى (المخيلة المسيحية) نتصور السماء والفردوس؟ إن سماء المسيحيين هي نعيم غير ذي أشكال، أو هي شيء لا يسعك أن تراه ولا تقع عليه العيون، بل شيء لا يسعك أن تحيط به في الخيال. أما المسلمون فكيف تراهم يتخيلون السماء؟ إنها دار حقيقة فيها اللبن والعسل والعسجد، وفيها الأزهار والأشجار والحور العين، وهي كلها حقائق ومشاهدات. . . أفليس هناك معنى ملحوظ لاتفاق المخيلة الدينية بين المسيحيين والمسلمين في (ميدان سلبي) حين يتكلمون عن الجحيم؟ ففي هذا الميدان ترسم المسيحية نفسها صورة مشهودة هي صورة النيران والنفط الغالي وعذاب الأجساد
قال الكاتب: فأحجمت عن الجهر بملاحظة سنحت لي تلك اللحظة، وفحواها أن المبالغة في تمثيل الخيال تقترن عادة بالقصور في ملكة البناء والإنشاء الواقعية، وآثرت أن أسأل:
ألا تزال الديانة قوة فعالة في الحياة المصرية؟
فأجابني الباشا:(فعالة على الأرجح في عالم الإسلام أعظم من فعلها في عالم المسيحية، لأن شرائعنا كلها قائمة على القرآن؛ ومن العسير في البلاد الإسلامية أن تفصل بين الدين والحياة اليومية)
قلت: على أنني قد أخبرت أن الشبان المصريين يهجرون عقائد آبائهم جنوحاً منهم إلى البدع الغربية
قال: أعجب لو صح ذلك. . . فلعلهم لا يغشون المساجد ولا يشهدون صلوات الجمع، ولكنهم على الجملة متدينون، وربما كان منهم أناس من الدارسين للفلاسفة الغربيين قد ألحدوا في الدين إلا أنهم شذوذ قليل
فسألته: أيعنى المصريون عناية ما بما وراء الطبيعة أو بالأسرار الخفية والسبحات الصوفية؟
قال:(ذلك نادر في (فلسفتنا الحاضرة). غير أن فلسفتنا وأدبنا لا يزالان في مفتتح الحياة؛ وينبغي ألا تنسى أن أربعة قرون من الحكم التركي قد عطلت ثقافتنا وتركتنا نحاول من جديد
فانتقلت إلى حديث الجامعة العربية وسألته: (وهل بعد انقضاء السيادة التركية أو السيادة