صاحبي في وجهي شدة الحيرة والقلق، فأخذ يشكو الجوع والبرد والتعب، وزاد الطين بلة أن ثارت في وجهنا في هذه اللحظة زوبعة رملية شديدة وهطل المطر كأنه أفواه القرب فعميت عيوننا وأصبحنا غرقى في لجة من الماء والوحل، وكنا عندئذ نسير على ظهر جبل عال لا يزيد عرضه على عشرين متراً، وعن شمالنا واد عميق جدرانه قائمة كالطور ولا يقل انخفاضه عنا عن مائة متر أو يزيد، وعن يميننا واد آخر كالأول الا أنه أكبر اتساعا وأقل انحداراً، وكان الظلام منتشراً في كل مكان، وريح باردة
عاتية تسفي في وجوهنا الرمل والتراب باستمرار، فتعذرت الرؤية واشتد بنا الكرب وتوقعت في كل خطوة أن نهوى في هوة عميقة أو نسقط على الأرض من الإعياء. طلب مني صاحبي ونحن في هذا الموقف الحرج أن نأوي إلى ملجأ يقينا البرد والمطر وشكا إلى ما حل به من التعب المضني. فطيبت خاطره وشجعته ثم أفصحت له عن حقيقة موقفنا بكلمات قليلة ورجوته أن يصبر، وقلت له أن الليل قد داهمنا وليس لنا من واق في هذه الجبال الا رحمة الله. وأن الوقوف عن الحركة يضر بنا فملابسنا مبللة وبطوننا خاوية والبرد قارص ولا فائدة من التذمر، ثم أردفت ذلك قائلا: ربما كنا أقرب إلى السلامة مما يبدو لنا الآن. فلما وقف صاحبي على ما نحن فيه اضطرب كثيراً ولكن لم يلبث لحسن الحظ أن سلم أمره لله وقال سر بنا وسأتبعك فالله سبحانه يتولانا بلطفه وهدايته. ثم قال: ولماذا لا نسير في عكس اتجاهنا خصوصا وإنا قد جربنا السير في اتجاه مضاد للريح ولم نصل إلى غاية. فقلت له ربما لحظت أني دائما أسير والريح في وجهي وذلك لأني أعلم أن هبوب الريح في مصر في هذا الشهر من السنة يكون عادة من الشمال الغربي أو الغرب، فالسير في هذا الاتجاه أسلم عاقبة ما دمنا لا نملك وسيلة أخرى من وسائل الاهتداء إلى الجهات الأصلية. ولا بد أن يؤدي بنا السير آجلا أو عاجلا إلى وادي النيل. فقال عسى! ثم سكت. وبعد أن قطعنا مرحلة أخرى رأيت من الحكمة أن التجئ إلى الوادي بسبب الظلام الدامس والبرد القارص فاخترت نقطة ظننت أنها ربما تكون أقل خطورة للهبوط إلى الوادي، وأشرت إلى صاحبي أن يتبعني وأن يكون حريصاً منتبها وأن يستجمع كل قواه حتى لا تزل قدمه فيهوى إلى الحضيض، فأومأ بالإيجاب، وفي أقل من نصف ساعة وصلنا بطن الوادي بسلام وبعد أن استرحنا قليلا أخذنا طريقنا متبعين تعاريج الوادي قائلاً