للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من حسن التقريب وحسن الفكاهة وحسن الإيجاز

فكتاب (حكايات من الهند) ثروة لا تقل في جوهرها عن الثروة الغالية التي ربحها العالم من كتاب كليلة ودمنة، وأنفس ما فيه تلك البساطة التي قد تصغر من شأنه في نظر السطحيين وهي هي مزيته الكبرى وغايته القصوى، بل غاية جميع الحكماء من تبسيط المركبات وتسهيل المعضلات. . . أليس المقصود بهذه الحكمة القصصية أن تمثل لنا الحقائق العويصة في صورة البدهيات التي لا تحتاج إلى بينة ولا إطالة بيان؟

إليك مثلاً قصة الرجل الذي ترك لأبنائه الثلاثة بطيخة يحتفظون بها فظن أحدهم أنه يحتفظ بتراث أبيه إذا أبقاها عندهم حتى تفسد وتفسد ما حولها، وظن الثاني أنه يحتفظ به إذا باعها واشترى غيرها، وظن الثالث أنه يحتفظ بذلك التراث أجمل احتفاظ إذا أنتفع ببذور البطيخة ولم يحرص على قشورها وفضولها

أليست هذه معضلة التجديد في أوضح صورة وأبسطها؟ أليس المحتفظون بالبطيخة حتى تفسد ويفسد ما حولها هم الجامدين الغافلين؟ أليس الذين يبيعونها ويشترون غيرها هم المجددين الذين يستبدلون جديداً بقديم ولكنهم يقطعون الصلة بين هذا وذاك؟ أليس زارعو البذور هم المجددين الصالحين الذين يصونون تراث الآباء ويضاعفونه ولا يخسرون طرافة الجديد في كل موسم؟ أليست هذه حكمة يسيرة عسيرة تستدني النجم البعيد فإذا هو في متناول اليدين؟

ولقد حكى المؤلف حكايته ثم عقب عليها بمغزاها فزاد الحكاية الصغيرة توضيحاً على توضيح حين قال: (. . . أما الاحتفاظ بالبطيخة الفاسدة حتى يأتي الدود عليها جميعاً فمجلبة للسخرية والأمراض ومضيعة للبطيخة. . . وأما رميها برمتها والاعتياض منها بجديدة نبتاعها فتبديد لتراث أبينا وللنقود التي نؤديها في ثمن هذه وأثمان غيرها، هذا إلى أن كل ما نشتريه لابد أن يجري

عليه من الفساد مثل ما جرى على بطيختنا. إن التجديد هو ملاك الحياة والتقدم بيد أن جديد ينبغي أن يتولد من بذور الماضي)

وذلك فيما نعتقد فصل الخطاب في مسألة التجديد.

ولقد رأيت في حياتي ألف مصداق لـ (عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم)، ورأيت

<<  <  ج:
ص:  >  >>