وسأذكر بادئ الأمر القوانين التي لها صلة بكل عمل، ثم أفصل أحكام عمل الصانع اليدوي، وعمل المرأة في منزلها، والطالب في مدرسته، والفنان في مصنعه، والكاتب في مكتبه.
وعلى الرغم من وفرة الأعمال وتعددها، فإن هناك قوانين تصلح لها كلها. فاختيار العمل الذي نجد في أنفسنا قدرة عليه وحباً له، هو أول ما يجب أن نفكر فيه. فإن قوة المرء وذكاءه محدودان لا يتسعان إلا إلى مدى. والمرء الذي يريد أن يقوم بكل عمل لا يتقن شيئاً. ألا تنظرون إلى أولئك الذين أوتوا مواهب شتى؟ يقول أحدهم: لو أني عانيت الموسيقى لحذقتها. ولو أني عالجت السياسة لسار ذكري واستفاضت شهرتي. فكل عمل هين لديّ. إنهم يكونون من هواة الموسيقى لا من غواتها. . . ومن المفلسين في التجارة لا الرابحين منها. . . ومن الفاشلين في السياسة لا الناجحين. لقد كان يقول نابليون: إن فن الحرب يوجب أن يكون المرء قوياً كأشد ما تكون القوة، في مضمار واحد. وأنا أقول إن فن العيش يوجب أن يستهدف المرء في هذه الدنيا أمراً، فلا يزال يوجه إليه قواه، ويسخر له مواهبه حتى يظفر به. ولذا كان خطأ أن ندع للأقدار دائماً مصير عملنا في الحياة. فالحياة جهاد ونضال، ومن لم يعدّ نفسه لها فقد باء بفشل عظيم. . . يجب أن يسائل الرجل نفسه فيقول لها: ترى أي عمل أستطيع أن أكون له كفؤاً؟. أنظر إلى ميولك ومواهبك، ثم فكر طويلاً، في نفسك، وفي أبنائك؛ فإذا كان لديك ولد ذو بأس شديد وقوّة، فأرسله إلى الجيش، ودربه على الطيران، لأنه لا يصلح لأن يكون رئيس ديوان.
فإذا اختار المرء مهنة رضى عنها. . . فإنه واجد فيها أموراً لابد من أن ينتخب منها أمراً واحداً، ترضاه نفسه، ويقبله هواه. فالكاتب لا يستطيع أن يبدع الأقاصيص أو الروايات كلها، والسياسي لا يستطيع إدارة الوزارات جميعها. . . والمسافر يعجز عن اجتياز الأرض من شمالها إلى جنوبها. ولابد لنا من أن نكون في بعض الأحايين صماً لما تهمس به أهواؤنا في خاطرنا. . . فتسيطر على إرادتنا وتدفعنا إلى تنفيذ شيء. فكرّ طويلاً، وقدرّ كثيراً، فلديك الوقت المتسع، ولديك التفكير، وكن كقائد الجند الذي يقضي على كل شغب بكلمة واحدة يلفظ بها أمام جنوده. . . فيستمعون إليه وينفذون أمره. نفذ أمر إرادتك كما ينفذ الجند أمر قائدهم، وقل لنفسك: ما عسي أن أصنع في عامي هذا؟. أأصلح للامتحان؟