للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أأطوف في البلاد. .؟ أأعمل في مصنع؟. . فكر طويلاً، وناقش آراءك نقاشاً هادئاً في زمن محددّ؛ واجعل لنقاشك نتيجة ترجع إليها، وتمضي في سبيلها، فإن التردد قاتل، والهوى مخيف.

فإذا اطمأن الرجل إلى عمله. . . فليتأت له، وليضع حيال ناظريه ما يستهدفه في سيره البعيد وهو واثق بأنه سيبلغ القمة يوماً، وإن عظم الجهد، أو طالت الطريق، لأن أول كل صغير كبير. . .

لقد جاء (ليوتي) إلى مراكش، فوجد بلاداً عاث فيها الساسة، لا رئيس ولا ذخيرة ولا مال. ولو أن من أتي إليها كان غير (ليوتي) لدب الرعب في قلبه، وسيطر اليأس على نفسه. ولكنه كان ليوتي العظيم. لقد بدأ بالمدن فجمع كلمتها، ووحّد صفوفها، وسخرها لما يشاء بما يشاء. ثم انتقل إلى البادية، فما زال يؤلف كلمة كل قبيلة، ويسيطر على كل نزعة، حتى بلغ ما أراد. . . بعد أن جهد طويلاً وتعب كثيراً. إن الحصار لا يحصد سنابل القمح. . . في الحقل. . . بنظرة، ولكن عوداً بعد عود. وإن منظفة الثياب لا تنزع الأوساخ عنها بلحظة، ولكن ثوبا بعد ثوب. . . والعامل الحق لا يهمه شيء، ولا يعرف الخيبة أو الفشل. . ويعلم انه سيبلغ ما يريد إذا اختار عمله، ثم قسمه، ثم مضى فيه. . . وويل للجبان. . .! يخاف كل عمل. . . فلا يعمل. أما الشجاع فهو الذي يستحق الحياة. .!

وأنا لا أعجب لشيء كعجبي لأولئك الذين يرسلون الشكوى من هذه الحياة وطولها. أنا أسألهم: هل يعيشون ثماني ساعات في اليوم؟ هل يعملون فيها عملاً حقاً؟ فإن الكاتب مهما كان هزيل القريحة إذا سوّد كل يوم صفحة واحدة يد في أيام شيخوخته تراثاً عظيما يجعله بين النابغين، كبلزاك وفولتير.

ولكن هل يكفي أن نجلس إلى المنضدة؟ ألا يجب أن نخضع لنظام في عملنا؟ فلا ندع عملاً قبل أن نفرغ منه، لأن اللذة بالعمل تتزايد تزايداً هندسياً إذا لم ننقطع عنه، وهذا الأمر حق عند الكاتب الذي يطلب وقتاً ينسى فيه العالم الخارجي ويتفرغ إلى أفكاره وآرائه، وهو أيضا حق عند الصانع أو الرئيس لكي يتقن العمل وينجو من شر المحيط.

وخليق بالعامل أن يبتعد عن البيئة الخارجية إذ ابدأ العمل، لأن هناك طفيليين لا يفهمون عنه ولا يشفقون عليه، فهم يتكلمون ويثرثرون، ولا يفكرون في أنهم لو تركوا من يتكلمون

<<  <  ج:
ص:  >  >>