يتسنى لهم الحصول على لقب (المستنيرين) من عدوهم الذي بهرهم بقوته وشوكته.
قد فعل المسلمون ذلك وظنوا ولا يزال كثير منهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً، ولذلك استبشرت بخير كثير حينما قرأت مقال الأستاذ محمود محمد شاكر يحدثنا فيه عن العلاقات بين المسلمين واليهود عسى أن تسفر محنة فلسطين عن نعمة عظمى، إلا وهي الانقلاب في للفكر السياسي عند العرب بحيث يتأكدون أن التسامح لا مقام له أي وزن إلا إذا من قوي يقظ شديد المراس مستكمل المدة، مستقل بنفسه، قادر على قلب ظهر المجن عند ظهور أولى بوادر الشر، ولن يتأتى للمسلمين مثل هذه القوة إلا إذا كانت حياتهم منسقة على أسس دينية بحتة، وما من شك في أن كل من يتأمل هذه الحقيقة لا بد أن تختلج بين يديه الحركات والمنظمات السياسية الحالية للعرب بأسرها بما فيها الجامعة العربية
وبمناسبة ذكر الجامعة العربية أقول: أو ليس من العجب أن يتنكب ويتنصل المؤتمر الثقافي العربي من عرض الإسلام كعامل لم يزل ولا يزال، على الرغم من أهواء المستنيرين والمتقدمين، يلعب دوراً هاماً في حياة معظم أفراد الشعب العربي طيلة القرون الثالثة عشرة الماضية؟
ومما يزيدني عجباً أن أصحاب المؤتمر اجترءوا على ارتكاب مثل هذا الخطأ الفني في حين قد بدأ مفكرو الغرب يعترفون علنا بأثر الدين بتكوين النفسية وتزكية العقل وتوجيه العواطف التي هي مبدأ جميع الأعمال الإنسانية. أفلا يستحق الدين أن يلقى عناية من الباحثين العرب ولو من الناحية الفنية؟ ولو فرض جدلاً إنه يحق للزعماء أن يتناسوا الدين لأغراض سياسية في الحال الحاضر فليت شعري من أين استمدوا سلطتهم على الماضي حتى يقترحوا تنشئة الجيل الجديد على ذكرى أمجاد العرب بدون أن يوفوا الإسلام حقه؟ ما أجدرهم أن يدركوا أن التعصب للوطن أو الجنس (وقد بكى شعراء العرب قديماً ضياع الأنساب واختلاط الأحساب) ربما يكون أشنع وأضر بالإنسانية من التعصب الديني! فهل يحتاج أحد إلى التذكير بأن العرب لم يشيدوا ما شادوا من صروح المجد، لأنهم كانوا ينطقون اللغة العربية (وحاشا الله أن أنكر لتلك اللغة، لغة الإسلام - وقاها الله شر اللهجات - فضلها) أو لأنهم تأثروا بالفكر الروماني أو تحضروا بحضارة البحر المتوسط؟ إنما شادوا ما شادوا وبنوا ما بنوا لأنهم كانوا مسلمين قبل ومسلمين بعد، ولن يأتوا بمثل ذلك