للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الإنساني.

المتوحد

والواضح عند ابن باجه هو ذلك الطريق الخلقي الذي رسمه للمتوحد والذي ينصحه فيه ألا يرتبط بالرجل المادي ولا بالرجل الذي ليس له إلا غاية روحانية نفسانية (التي تتردد بين الحس والعقل)، ولو في أرقى أنواعها، وواجبه أن يرتبط بالفلاسفة والحكماء، ولما كان هؤلاء يوجدون بقلة في بعض الأمكنة وتخلو منهم أمكنة أخرى، وجب على المتوحد أن يبتعد عن الناس قدر الإمكان، ولا يختلط بهم إلا لأجل الضروريات بمقدار ضروري، كما يجب عليه أن يعطي نفسه بأكمله لتعليمه الإلهي، وأن يضيء لمن حوله كالنور، ويهب نفسه سراً لإدراك علم الخالق كما لو كان ذلك أمراً معيباً، وعليه أن يرتاد الأماكن التي بها العلماء والحكماء إن وجدهم، وأن يجتنب الشبان القليلي الخبرة. ولا يرى ابن باجه في هذا التوحد مناقضةً لعلوم السياسة التي تقول: إن مجانبة الناس خطأ؛ ولا العلوم الطبيعية التي تقول: بأن الإنسان مدني بالطبع؛ لأن هذين المبدأين صحيحان نظرياً إذا تملك الرجال كمالاتهم الطبيعية، ولما كان هذا بادراً وجب على المتوحد الابتعاد عن المجتمع.

(بيروت)

عمر الدسوقي

<<  <  ج:
ص:  >  >>