المشترك، ومنها القوة المتخيلة التي تظهر في الميل الطبيعي ' والشهوة، وهذان مشتركان في الإنسان والحيوان، ومنها القوة الفكرية. وهناك نوعٌ موهوب من الناس عنده قوة أخرى لا تحتاج في إدراك الأشياء إلى برهان أو دليل، وإنما يكون ذلك بطريق الوحي والإلهام والرؤيا الصادقة، وهذان النوعان الأخيران خاصان بالإنسان
ولأجل أن يدرك الإنسان كماله يدرك أولاً الصور المعقولة للجسمانيات، ثم تصورات النفس المترددة بين الحس (القوة القوة المتخيلة)، ثم العقل الإنساني في ذاته، ثم العقل الفعال، الذي فوقه، وينتهي إلى إدراك عقول الأفلاك المفارقة، ويترقى الإنسان في هذا السلم ويصل إلى ما هو فوق طور العقل وإلى ما هو إلهي
ويقول المؤلف:(إن العقل الفعال لا ينقسم أي لا يتجزأ، وكل نوع من الكليات يوحد في العقل الفعال كوحدة، وعلى هذا فعلم هذا العقل المفارق واحد وإن كانت موضوعاته مختلفة بتعدد الأنواع، وإنما كانت متعددة لأنها تظهر في مواد مختلفة. وفي إمكان العقل بالفعل أن يقرب هذه الكليات منه ويدركها ولأجل هذا كان الإنسان أقرب المخلوقات إلى العقل الفعال. فالعقل الإنساني يصل إلى معرفة الكلي بشروق نور العقل الفعال، وكل إحساس أو تخيل غير معرفة الكلي فهو معرفة خادعة. إن العقل الإنساني يصل إلى كماله بالمعرفة العقلية لا بالخيالات الصوفية الدينية التي لا تبرأ من شوائب الحس. والنظر العقلي هو السعادة العظمى لأن غايته المعقولات كلها. وإذا كان الكلي بهذه المثابة فلا يمكن القول ببقاء العقول الإنسانية بعد هذه الحياة)
أما النفس التي تدرك الجزئيات بتخيلها لها على نحو يجمع بين الإحساس والتعقل والتي يتجلى وجودها في شهوات متعددة وأفعال متنوعة كما مر فقد تستطيع البقاء بعد الموت وتلقى الثواب والعقاب. إن العقل أو الجزء المفكر في النفس واحد في كل عاقل، وعقل الإنسانية في جملتها هو وحده الأزلي وذلك باتحاده بالعقل الفعال. وقد تأثرت الأفكار المسيحية بنظرية وحدة النفوس هذه إبان القرون الوسطى وعرفت بنظرية ابن رشد
ويقول مونك:(إن ابن باجه لا يوضح بجلاء الطريق التي تتم بها تلك الحركة السامية، وكيف يتصل العقل الإنساني والعقل الفعال العام، وقد رأينا في رسالة الوداع أنه مضطر إلى إدخال قوة فوق الطبيعية لإتمام هذا الاتصال) هي إشراق نور العقل الفعال على العقل