إن من يقتصر على الأعمال الجسمانية يضع نفسه في صفوف الحيوان، ومن يهمل الوجود الجسماني ألبته يعمل ضد القانون الطبيعي، هذا لا يجوز إلا في حالات استثنائية حيث يكون احتقار الحياة فرضاً على الإنسان كأن يموت في سبيل الدفاع عن الوطن أو الدين، ولا يمكن أن يصل الرجل المادي إلى السعادة
وعلى المتوحد ألا يتناول من الأعمال الجسمانية إلا ما كان وسيلة في مدِّ أجله، وعليه ألا يقدم العمل الجسماني على الروحاني أبداً؛ ثم لا يأخذ من أرقى أنواع الأعمال الروحانية إلا ما كان ضرورياً للمعقول؛ ثم يتعلق في النهاية بالمعقول المطلق؛ لأنه بالعمل الجسماني يكون مخلوقاً إنسانياً، وبالروحاني يكون مخلوقاً أرفع، وبالمعقول يصير معقولاً سامياً إلهياً.
فالفيلسوف إذاً إنسان سام إلهي على شرط أن يختار من كل نوع من الأعمال صفة، وأن يختلط بأهل كل طبقة من الناس لأجل أسمى ما في كل واحد منهم من الصفات، وأن يميز نفسه عن الجميع بأعماله المتناهية في الرفعة والمجد، فإذا ما وصل الإنسان إلى الغرض النهائي، أي عند ما يفقه العقول البسيطة والعقول المفارقة يصير واحداً منها (يظهر أن هذا في الحياة الدنيا وفيه مخالفة للفارابي، ويمكن أن يسمى مخلوقاً إلهياً بحق وجدارة
الفصل السادس والسابع والثامن
على الرغم من أن الفكرة التي يرمي إليها ابن باجه في هذه الفصول غامضة كما صرح بذلك ابن رشد، وعلى الرغم من أن الفصل الثامن والأخير وجد في النسخ ناقصاً فإنا نستطيع أن نوجز ما يريده ابن باجه فيما يأتي:
إن الهيولي لا يمكن أن توجد مجرد عن صورة ما، أما الصورة فقد توجد مجردة عن الهيولي، وإلا لما استطعنا أن نتصور إمكان أي تغير، لأن التغير إنما يكون ممكناً بتعاقب الصور الجوهرية، وهذه الصور من أدناها وهي الصورة الهيولانية إلى أعلاها وهي العقل المفارق - العقل الفعال - تؤلف سلسلة والعقل الإنساني يجتاز في تكامله مراحل تقابل تلك السلسلة حتى يصير عقلاً كاملاً
وفي النفس الإنسانية قوى مختلفة فمنها ما يدرك المحسوسات ومقره (الغنطاسيا) أو الحس