النفس! لقد ذوب هذا اليوم عنصرها الدخيل كما تذوب حبات الملح في لجج الفرات العذب. لم يبق إلا مواكب الأهلين تشدو بأهازيج النصر، ووفود الأعيان تناقل أحاديث الوطنية، وكتائب الوفدين تنشد أغاني الحماسة، وخطباء المحتفلين يرسلون على أمواج الأثير عواطف مصر الشابة إلى الجهات الأربع.
تجددت مظاهر النصر والشكر والتأييد والفرح في سُوح القاهرة، فكان يوم السبت في مدينة المعز أبهر جلالاً وأروع استقبالاً من يوم الثلاثاء في مدينة الإسكندر! ذكرنا به أيام سعد! وأيام سعد خوالد يتحدين النسيان ويعاجزن البلى، وقد كن لهذه الأيام السعيدة شروقاً وبكرة.
سننعم بأصائل هذه الأيام حيناً من الدهر يقصر أو يطول، ولكن شمسها ستدخل في ملكوت الخيال وعالم الذكرى، ثم لا يبقى في أيدينا من ثمارها غير المعاهدة. والمعاهدة وثيقة الاستقلال في القانون، ولكنها ورقة الامتحان في العمل. ولا ريب أن الذين عرفوا كيف يحررونها، سيعرفون كيف ينفذونها. ومن عمل واليد شلاء، وبلغ والطريق غفلاء، فهل تخشى عليه والسبيل واضحة، والغاية لائحة، والساعد حر والساق طليق؟