يرن باللحن الذي يعطيه. . ويقول في هذا المعرض الشاعر (هنري دي ريني)(إن الشعر اصبح يهجر أسماله الخطابية القديمة التي ارتداها طويلا. اصبح لا يحلل شيئاً وإنما يلقن ويوحي. . .) ويقول مالارمي (أن تسميتك للشيء تذهب بثلاثة أرباع ارتياح الشاعر، وذلك الارتياح الناشئ عن طربه بالتنبؤ عن الشيء قليلا قليلا، إن التلقين هو الحلم) ولكي يدركوا هذه الغاية ولدوا طرائق مختلفة ففروا من الأشياء الواضحة أو انهم لم يبحثوا عنها، لأن جل الأحاسيس الشعرية في زعمهم مشوشة مفعمة بالصور المبهمة والأحاسيس التي لا يمكن التعبير عنها بجلاء إلا بعناء. ويقول (أنا طول فرانس)(لا شعر بلا معنى خفي) فمهنة الشاعر أن يتغلغل في هذه العوالم الخفية والأسرار المحجوبة، فيقرب هذه الخفقات الحية وهذه المعاني المبهمة. ويقول (دوهامل) في معرض كلامه عن (بول كلودل): (إذا كان كلودل خفياً مكتوماً فذاك لأن أبواب المواضيع التي يلجها إنما تعبر عن سر كبير هائل)؛ ولأجل التعبير عن هذه المعاني الخفية والأسرار المكتومة ذهب الشاعر إلى توليد الرموز؛ وليس الرمز في التشبيه والمجاز، إذا مر التشبيه والمجاز من العقل الذي يولدهما ويقبلهما، وإنما الرمز هو تلك الصورة أو جملة صور متتابعة أخذ بعضها بأعناق بعض يحس الإنسان مباشرة أو يحس ولا يدري سبب إحساسه بان هذه الصور لا تترجم عن شيء ولكنها تعبر - أو بعبارة أوضح تنطوي على الفكرة. والتأثير الشعري كالزهرة التي تفسر الغرسة التي هي منها وهي لا تشبهها.
ثم يغدو هذا الشعر الخفي الرمزي موسيقياً، وقد كان تأثير الموسيقى في الشعراء كبيراً في فرنسا. ولبثت الموسيقى تعد فناً بين الفنون حتى عام ١٨٨٥، فالموسيقى تستطيع أن تستمد من الشعر، كما أن الموسيقي يغترف من معين وحي الشاعر. ولكنها لم تسيطر على بقية الفنون، ولكنها غدت في ذلك التاريخ الفن العتيد الذي يشرف على كل الفنون. ولقد طغت موسيقى (فاجنر) الجرماني على النوادي الأدبية. وهدت كثيرين من اتباعها إلى القدرة على التعبير الرمزي في الموسيقى. ومن ذلك الحين طفق الشعراء يعملون على ابتكار فن يؤثر رنين الألفاظ فيه تأثير الموسيقى دون أن يفتقر إلى العقل ليترجم معانيها، أرادوا أن يجعلوا من الشعر رقية، وهو لا يرتل ولكنه يرقى. . . وٍإذا تلوته يغدو موسيقياً.
وقد قال (كلودل) في مقدمته لآثار (رامبو) ملخصاُ مذهبه (بكلمات لا ينبغي أن تتحرى عن