للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سبيل الهداية والرشاد.

فأنا أجري على نفسي قواعد حكمتي وأخطو في حياتي بما تمليه علي من الضرورة والحتم، ولذلك جاءت حكمتي بنتاً للواقع والظروف وبناء من أبنية الزمن والأيام، بل لعل ذلك هو السبب في أنها قد جرت في دمي، ونبضت دقات قلبها في عروقي، واهتز لها خاطري واستبشر بها محياي، عشت منها كما عشت لها واستضأت بنورها في الوقت الذي غذيتها فيه بنار قلبي وثورة روحي، فأحببتهاحب العاشق الموله للحبيبة الغالية، أو حب الزاهد المتعبد لجلالة الرحمن، استنشق من عبيرها خطوط سيري أثناء التقدم والتصعيد في الجبال الشامخة، وأتغذى من هالتها في خاطري أثناء جوعي وحرماني إبان الكفاح والتشريد، وبعبارة صريحة موجزة هي كل شيء فيَّ، وكل عمل يصدر مني، وكل فكرة تخطر على بالي.

ولذلك أحرص أشد الحرص على ألا أدعها تطير من يدي ولا أتركها براثن المقادير من غير أن أرعاها وأتعهدها، فهي تحيه بي كما أحيا بها، وهي جزء مني أشعر بامتلاكي لها وسيطرتي عليها، أتنفس من شذاها وأستقي من ضروعها وأعتصر ساعاتي كلها حتى تخلص لي فيها وأفرغ لها منها. وهي عادية جداً بحيث تخطر على بال الفلاسفة وغير الفلاسفة وبحيث تعرض للتافهين والعظماء سواء بسواء، ولكني أخصها بنوع من الاحترام والتقديس الذي يجعلها في خاطري ذات مكانة، ويضعها بين مراتب اعتقادي في أولى الصفوف، هذا فضلا عن أنني خبرتها فلم تخيب لي أملا، وامتحنتها فلم تفسد لي رجاء، واعتمدت عليها فلم تضيع لي أمنية. إنها مريحة لي كإنسان فاشل يحتاج إلى العزاء والرثاء، ومهبطة من غروري عند الكسب والنصر، تنفع عند الشدة والرخاء معاً، وتدلني على الوضع الذي يلزمني وعلى الظروف التي تلائمني وعلى المكان الذي يناسبني، فامضي إليه غير حاسب حساباً ودون ما أضع أمام عيني اعتباراً.

وأنت تعلم أن رأي الإنسان جزء من كيانه العام عند التحدث وعند إتيان الأفعال، بل يمكننا القول بان الرأي في دماغ الإنسان بمثابة عضو كامل في تكوينه الجسمي وله من التأثير مثلما لبقية أجزاء البدن، ولذلك أثور عند سماع الرأي المضاد كما افعل تماماً عندما تلدغني الحشرة السامة في بعض جسمي، ولعلي أنفعل من الوقوف على الرأي المخالف لرأيي أكثر

<<  <  ج:
ص:  >  >>