ويقول:(أود أن أموت، لا موت ذلك الكائن البالي الذي عافته الطبيعة، أود أن أموت كالعصفور المتنقل الذي يسعى وراء أقطار جديدة، أو أن أموت فرحاً كالشعر الفني) وبهذه العاطفة التي تجعل تشاؤمه مضيئاً كتب (أغانيه لليل) بأسلوب شعري منثور، لم ينقصه الوزن شيئاً من روعة معانيه، ولم يضع نثره من العاطفة الشعرية. يغلب على أغانيه شيء من الطرب القائم، يناضل به صاحبه الشقاء. هذا هو الطرب الذي خفف من شقائه، وهذه هي الفتوة التي كانت تزين له الأحلام وتنقله من حياته هذه إلى حياة اكثر سعادة وأحسن أملا.
أراد (نوفاليس) أن يطرق عالم الفلسفة فغلب عليه خياله، وتبدو في كتابه (الأغاني) و (الدفتر اليومي) فكرته التي تدور حولها فلسفته، وهذه الفكرة يريد من ورائها ان يفرض سلطة الروح بدون واسطة على المادة وعلى الاشياء، كما هو الحال في العلم الذي يسيطر عليها، وهذه الفكرة هي (علم السحر) ويعتقد أن إزاء فن المنطق الذي يعتمد على الأقيسة العقلية والبراهين الفكرية فناً هو أسمى منه، يدعوه (عالم الوهم) وهذا الفن هو أن نعرف كيف نستنتج بصورة نفسية فنا نعمل به على تحقيق أحلامنا وأوهامنا، وغير مغنيك شيئاً أن تسأل (نوفاليس) عما ينتج من هذا الفن من فائدة، فانه يطلب إليك إزاء إلحاحك الكثير أن تغادره سعيداً في أقطار أوهامه وأخيلته، وهذا المعتقد الفلسفي قد أثر تأثيراً واضحاً في روحه الشعرية، وما كانت هذه الروح إلا أثراً من آثار هذا المعتقد الذي يشيع في كل جوانب نفسه، فيحس في نفسه ميولا عميقة لا تقل غموضاً عن جوهرنا الذاتي، لا أسماء لها ولا القبض عليها بمستطاع، فيوجب على الشعر أن يوقظ فينا مثل هذه الميول، لأن الشعر هو لسان باطني، وتعبير تحدث به النفس ذاتها، وعليها أن تنفر كثيراً من الصيغ الواضحة كل الوضوح لأن كل وضوح وكل حد تحمل عليه النفس يحدد آفاق النفس التي يجب ألا تحد.
الموسيقى هي الفن الأول، والشعر هو أولى الفنون كلها بالتقرب من فن العزف والضرب على الأوتار، وكما أن الشعر يهتك الأستار ويهبط علينا بالأسرار، فالموسيقى تحمل إلينا معاني الطبيعة الخفية المستورة وتعبر لنا عن نفس الطبيعة، ونفس الطبيعة عنده هي الشيء الغريب، والشاعر هو الذي يعطل فينا ملاحظتنا العادية للاشياء، ويرينا الخليقة كما