للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تبدو للأنظار في الوهلة الاولى، هو يعجبنا ويذهلنا وهو بعد ذلك عندليب مترنم.

هذا هو مذهب (نوفاليس) في الشعر أعلنه يوم كانت المدرسة الرومانتيكية في بدء عهدها. وعده بعض أنصار هذه المدرسة نبياً للمدرسة، على ان هذا المذهب الذي جاء به لو حلله النقاد وعمل على مقارنته بالمذاهب الرمزي لرأى أنه أدنى إلى الرمز منه إلى المذهب الرومانتيكي، لأن صاحبه رمزي وأكثر تمسكاً بالرموز من أصحابها بها. ولكن ذلك الجيل كان يجهل بواعث الرموز، وفلسفة ذلك الجيل لم تصل إلى تقرير المشاعر الباطنية في النفس تقريراً علمياً. فلم ير ذلك الجيل إلا أن يحشره مع المدرسة االرومانتيكية، وإن لم يكن منها.

أليس نوفاليس هو الذي يعلن أن هنالك ميولا خفية لا تسمى هي ما يجب على الشاعر أن يوقظها ويخرجها بلغة لا يفسدها الوضوح، وهذا المذهب نفسه هو الذي إلى (الرمزيون) على أنفسهم أن يظهروه. وجعلوا أصحابه أصحاب مدرسة جديدة في الشعر. ولم ينس نوفاليس تأثير الموسيقى في الشعر، فأوجب على الشاعر أن يكون نظمه وإيقاعه للألفاظ إيقاعاً موسيقياً، لأن الموسيقى لغة النفس

ولكن تلك الفاجعة التي نزلت به في مطلع صباه، جعلت منه شاعراً متألما يتغنى بألمه، ويأبى أن يظهر والألم غالب عليه فيضحك للألم ويطرب للشقاء، ويرشف دموعه ناعما كما يرشف الطائر الظمآن دماءه، وفي هذه المجالي تسمع نفسه تشكو وصدره يزفر، وترى عينيه محدقتين في العالم الموهوم الذي تصوره وشاء أن يسكنه

روح (نوفاليس) الرومانتيكية تبدو في رواياته التي كتبها لنفسه، لأنه لم يستطع أن يدخل إلى العالم ويعاشر سكانه ويعرف أهواءهم، لأنه شاعر غني يريد أن يوزع ما لديه بعد أن ضاقت جوانب نفسه بكنوزها، هو لا يأخذ ولكنه يعطي. وهكذا نرى (نوفاليس) شاعراً في رواياته، شأنه أن يجود وأن يعطى. .

وضح مذهبه الشعري جليا في روايته (هنري دوفتر ينجين) التي جاءت ناطقة عن نفسه. نوفاليس الذي فقد (صوفيا) وهام بعدها هيام الجنون، قد وجدها مرة ثانية حية في (جوليا) فأحب هذه وكأنه يحب صوفيا، وخطبها كأنه يخطب صوفيا فأطفأ هذا الحب الجديد كل ما لقي من كآبة وسأم. وأخذ يستقبل الحياة بقلب يخفق مرحا. ويشيع عهده الأول ليدخل في

<<  <  ج:
ص:  >  >>