وربما ألقينا بقطعة اللحم من الفم لنزدرد قطعة اللحم التي في الماء. . .!
أخيال هذا؟
كلا! ولا النحاس الذي يستحيل ذهباً ولا الصفقة التي يدركها الصعود في سوق القطن فتفتح الكنز كله بعد اليوم
ما في شيء من هذا خيال وإنما هو كله واقع العاجزين
وبعد فنحن في عصر اضطراب الثقافات وارتجاج الأخلاق والمزايا لا جرم يخطر لنا أن ننظر فيما يصلح وفيما لا يصلح، وفيما تعز به النفوس وفيما تهون؛ وأن نسأل أنفسنا ماذا نأخذ وماذا ندع مما يتمخض عنه عراك الأمم والدولات
فلنكن على يقين سواء كنا من طلاب الحرية أو طلاب القوة أن النخوة مطلب لا غنى عنه في الحالتين وأننا محتاجون إليه، وأن الخيال عدة لا محيص عنها في المعسكرين، وأننا نحن الشرقيين عزل منها، وأن أمة من الأمم لن تصاب في سلمها ولا في حربها بمصاب هو أفدح عليها وأقبح بها من مصاب الانحصار في واقعها، لأن الانحصار في الواقع خلة حيوانية وليس بخلة إنسانية، وكلما ضاق أفق النفس عز عليها أن تخرج من الواقع القريب إذا أرادت الخروج منه، ولا مناص لها أن تريد ذلك في بعض حالاتها
تريد ذلك لتعلو على أثرتها ولتعلو على ضنكها ولتعلو على حاضرها في انتظار مستقبلها أو مستقبل بني قومها، وتريده لتشعر بأن الواقع الذي هي فيه دون الواقع الذي تبغيه
وهذا هو الخيال الذي يرتفع بالنفس عن واقعها
أما الخيال الذي هو ظل اللحم في الماء فذلك هو الواقع مشوباً بالعجز والغفلة
وأما (الواقعية) التي يقولون إنهم ينقذون الشرق بها ويردون الشرق من أحلامه إليها فحذار حذار منها. . . هي داء الشرقيين أجمعين، وإنهم لأئمة الواقعيين بين العالمين.