للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لمشكلة الضمير ويوضوحوها على ضوء البينة والظروف الاجتماعية. وهذه الدراسات مجتمعة ترمي إلى تحديد ماهية الضمير وحقيقته، وبيان أصله وطبيعته، وتوضيح قيمته ووظيفته، ثم إلى إثبات تنوعه بتنوع الأفراد والجماعات، وتطوره تبعاً لاختلاف العصور والأجيال

في قرارة نفوسنا وحيث تتكون أفكارنا وتعد أحكامنا، هناك رقيب ملازم يشهدها ويقفنا عليها أولاً فأولاً؛ هذا الرقيب هو ضميرنا والشعور الروحي الذي نحس به على أثر أية حركة من حركاتنا النفسية، والإلهام المستمر الذي ينقل إلينا كل ما يجول بالخاطر. فالمرء حين يفكر يشعر في الوقت نفسه بما يصنع، ويدرك أن تفكيره من عمله وقطعة منه. وكذلك شأنه حين يفارق أو يوازن أو يتذكر معلومات قديمة أو يقضي في أمر بقضاء ما، أو يسر أو يحزن، أو يحب أو يبغض. وشعور الإنسان بتفكيره وإدراكه لخفايا قلبه ليس إلا معرفته لنفسه ووقوف روحه على ما تعمل. وعلى هذا فالضمير جزء لا ينفصل من الظواهر النفسية وأساس لكل أعمالنا الباطنية. هو الشخصية في صورتها البسيطة المجردة ومبعث النور الأول في الحياة العقلية. وخطأ أن نعده قوة مستقلة ومتميزة من الأحوال النفسية كالعين تتميز من الشيء المرئي. فقد انقضى الزمن الذي كان يقال فيه بتقسيم النفس إلى قوى منفصلة تقوم كل واحدة منها بقمل خاص. ولسنا في حاجة لأن نقرر هنا أن في الانفعالات مثلاً قدراً من التفكير لا يصح إنكاره، كما أن الجانب الفكري للإنسان في أرقى صوره مشوب ببعض العواطف والميول. على أن القول بالقوى أن صح بالنسبة لبعض مظاهر النفس، فواضح عدم انطباقه على الضمير الذي هو الشكل العام ونقطة الاشتراك والصورة الرئيسية لكل الأعمال العقلية. والمدرسة الأيقوسية وإن كانت من أول من عني بموضوع الضمير بين المحدثين أساءت من ناحية أنها عدته قوة قائمة بذاتها وشبهته بأحد النظارة يشهد رواية الحياة النفسية دون أن يقاسم فيها بنصيب

وإذا كان الضمير شعور النفس بما تعمل، فسهل أن نتميز في هذا الشعور درجات بعضها أوضح من بعض. ففي اللحظات التي بين اليقظة والنوم نشعر بما يجري في نفوسنا شعوراً مبهماً غير محدود؛ والأحلام والرؤى تتصل من غير شك بالضمير في أغمض صوره، أو إن شئت فسمها مرحلة العقل الباطن، فإن جاوزنا هذه المرحلة وجدنا أحوالاً نفسية واضحة

<<  <  ج:
ص:  >  >>