أو القلم إذا كان لا غناء عن التمثال أو الصورة. . . والأجمل من ذاك أن يكون هذا التعاون في ناحية الخير الذي يرتقى بالغرائز، لا في ناحية الشر الذي يسفل بها. وإذا كان فنانو اليونان الوثنيون قد أخذوا أنفسهم بتلك التقاليد الصارمة في فنهم عندما كان يتصل بأخلاق القوة، فأحرى بفنانينا أن يلقوا بالهم إلى ذلك في كل ما يغدون به نهضتنا الفنية التي لن تستطيع أن تتجاهل أنها تنمو في كنف أعظم ديانتين على وجه الأرض، لا في كنف الوثنية اليونانية مثلاً!. . .
فلا بد إذن من (مؤاخذة) شاعرنا الفنان الموهوب على هذا، لأن شعره العالي الجميل المصقول لم يكن بحاجة إلى هذا اللون من الفن (المكشوف) ليجلو منه شيئاً، وإن كان لابد من تعاون بين شعره هذا العالي الجميل المصقول وبين الفن، فقد كان أحجى أن يتم هذا التعاون على منوال آخر يعرفه شاعرنا الرقيق النابه ولا بجهله، كما يعرفه الفنان الذي كان سبب لومنا هذا ولا يجهله أيضاً. وأخشى أن تكون ثمة علامة بين الفن المصور والفن المكتوب (في أشباح وأرواح) التي لم يكتب هذا المقال في نقدها، وأخشى أن يكون لقب (شاعر اللذة والجمال) الذي يضفيه أُستاذنا الزيات على شاعرنا الرقيق النابه، والذي وضعه بيده في رأس مقالنا السابق، يعني من اللذة والجمال شيئاً غير الذي نعرفه ويعرفه أستاذنا الزيات وشاعرنا علي محمود طه من اللذة البريئة. . . لذة الطهر. . . اللذة التي لا تثور بعرف ولا تعصف بخلق. . . ويحلو لي جداً بهذه المناسبة، أن أدافع عن الشاعر الكبير بكلامه هو، لا بكلامي أَنا، وما يعرفه هو، لاما أعرفه أنا، عن اللذة الآثمة، (التي دفعت إليها تاييس شاعر (أرواح وأشباح) فلم يلبث أن أفاق منها، وقد رأى مدى انهيار روحه وفنه)
فهذه كلمات قدم بها الشاعر لمقطوعة جيدة يقول في أولها
ولفّتْ ذراعين كالحيتين ... علىّ وبي نشوة لم تطرْ
وقد قربت فمها من فميِ ... كشقين من قبس مستعرْ
أَشم بأنفاسها رغبةً ... ويهتف بي جفنها المستعرْ
تَبَيَّنتُ في صدرها مصرعي ... وآخرة العاشق المنتحرْ