دعيْنيَ حواء، أو فابعدي ... دعيني إلى غايتي أنطلقْ
أخمر ونار؟ لقد ضاق بي ... كياني وأوشك أن أختنقْ
أرى ما أرى؟ لهباً؟ بل أشم ... رائحة الجسد المحترق
فيالك أفعى تشهيتها ... ويالي من أفعوان نزقْ!!!
فاعتراف الشاعر الناظم في المقدمة المنثورة بانهيار روح شاعر الملحمة وانهيار فنه، لأن تابيس قد دفعته إلى اللذة الآثمة ثم اعترافه في المنظومة بأنه تبين في صدرها مصرعه - وآخرة العاشق المنتحر؛ وأن حواء أفعى تشهاها أفعوان نزق. . . كل هذا ينفي عن علي محمود طه، الشاعر الرقيق النابه، ذهابه مذهب اللذة، وأعني اللذة الآثمة. . . ولله شاعرنا حيث يقول في الكرمة الأولى: صهباء ما كانت=من غرس إبليس
بل كرمة زانت ... خلق الفراديس
تسمو بها الأرواحْ ... عن عالم الإثم
شفافة الأقداحْ ... في رقة الحُلم
فهل رأيت الخمر التي تسمو بها الأرواح عن عالم الإثم؟
رحم الله ابن الفارض الذي يقول:
وقالوا شربت الإثم قلت لهم بلى ... شربت التي في تركها عنديّ الإثم
فتلك لذة علي محمود طه التي تعرف الإثم والتي لا تعرف إلا الطهر. . . الخمر التي يقول فيها:
خمرة ما قَبْلتْ غير شفاه الأنبياء
خمرة في الغيب كانت قطرت من ضياء
خُتمت بالشفق الوردي في أصفى إناء
جُبلت فخّارتاه من صفاء ونقاء
لشد ما أكره أن يلقب شاعرنا الرقيق النابه بشاعر اللذة! وما أحب أن ندعوه جميعاً إلا: بشاعر الفن والجمال!
لست أدري لماذا لا أنتهي من هذا الثناء الطويل على الشاعر علي محمود طه لأفرغ إلى جانبه الآخر. . الجانب الجدير بالنقد. . أو الجانب المظلم الذي لا يتراءى في جانب غيره