للكثيرين ممن حاوروني فيه. . . أولئك الذين يظنون أن علي محمود طه لا يملك كتفين عريضتين قويتين تحتملان النقد، ما خف منه وما ثقل، وما جاء منه ممن يفهمون وممن لا يفهمون، وما صدر منه عن إعجاب بالشاعر ومحبة له، وما صدر منه عن موجدة عليه وضيق به
ولست أدري لماذا لا أصارح أصدقائي الشعراء خاصة، وأصدقائي القراء عامة، بأن (الهدم المطلق) ليس من مذهبي، بل ليس من النقد في شئ أن نظلم الأديب من الأدباء، أو الشاعر من الشعراء، في تسعة أعشار إنتاجه، لأن العشر الباقي لا يرضيك، أو لأنك لا (تستظرفْ!) هذا الأديب من الأدباء، أو ذلك الشاعر من الشعراء؛ فهذا اللون من النقد هو الذي يصدر عن هوى لا يعرف العدالة ولا يعرف الاتئاد ولا يعرف الفطنة. والمؤلم في هذا كله أنه يصدر عن قراءة سطحية للأديب أو الشاعر. . . قراءة خاطفة. . . لا تعدو مقالة أو قصيدة في مقهى أو في ترام
وللحديث في هذا الموضوع ظرفه الخاص. . إنما هي إشارة (خاطفة) تشغلني عنها هذه المفاتن التي عرفتها في شعر علي محمود طه منذ أخذت أقرأ شعره
ومفاتن شعره تأتي من ناحية الشكل ومن ناحية الموضوع، فمن ناحية الشكل، تروقني منه تلك القوافي المتخيرة الشائقة التي تدل على ذوق مُروِّئِ فنان، ومزاج موسيقي مفتتن بالغناء مولع بالألوان. فهو إذا اختار أن يقول من قافية واحدة اختار القوافي الراقصة التي تميس فيها الكلمات وتتلألأ. . . وتكاد تغني. . . وتستطيع أن تتناول دواوينه كلها وتقرأ منها ما شئت، فلن تجد قافية عليلة أو قافية ثقيلة، أو قافية تنبو في سمعك أو تستأذن على هذا السمع. وعلي محمود طه نفحة في هذه الناحية من شاعرنا الخالد شوقي أمير الشعراء عليه رحمة الله. . فإذا اختار أن يقول في المنظومة الواحدة من قواف عدة، وجدت موهبته في ذلك تتدفق. . كدت أقول تتبرَّج. . فهو يتنقل بك، كما يتنقل بك الموسيقي العبقري من لحن إلى لحن، ومن نغمة إلى أخرى، من غير أن يصدم سمعك، أو ينبو على ذوقك. والعجيب أنه يجيد هذا التنقل في منظوماته القصيرة وفي منظوماته الطويلة على السواء. وقد أجاد بوجه خاص في درامته الرائعة (أغنية الرياح الأربع) وكأنما كان يعنيني من دون الناس جميعاً بتجويده قوافيّه حينما كنت أقف وحدي في الشاطئ الآخر، داعياً جهدي إلى