الناس. مودته مدخولة، ظاهر الملق، مما حل مداور مخادع، يوهمك أنه يخزى، ولنه في الحقيقة لا يندى له الجبين، ولا يحمر له خد أو أذن، يلبس ثياب التقوى ومسموح الزهد، ولا يتورع من اقتحام بيوت الدنس واقتراف الإثم والرذيلة، يحلل المحرمات سراَ، ويتزندق ليقال أنه من زهرة أبناء العصر الحديث
تراه في كل نادِِ ومجتمع وحزب، في الأفراح والمآتم، بصفق للخير ويطرب للشر، يغفر فاه لكل طعام من كل مائدة، ويكرع ما يتبقى في الأكواب، ولسانه كأضراسه لا يفتر عن اللوك والطحن والمضغ والبتلاع.
قد لا تعلم، مهما أوتيت من ذكاء وقوة استلماح، متى يتجافى الحق، ولا كيف يرتجل الزور. تعجزك ملامحه، وتخونك فراستك في وجهه الكثير القسمات الناتئة، والأخاديد الفائرة، وفي غموض في سحنته ومات لونها، وهو قدير على إدماج الجد بالهزل، والمزاج بالرصانة
يتغابى كأخرق، ويتبالد كأنه أعمى البصيرة، لا يتكدر ولا يغضب، ولا يرتج علية الكلام لأنه ذكي لامع الذكاء. وهو في مجمله خلط ملط كما يقول أصحاب الأمثال
يوهمك أنه كتوم للسر، صائن للخير، ولنه عقرب وشابة، وأفعوان سعاية، رسول سوء وفساد، وزارع عداوات وبغضاء
قلت أن شخصية (حصل أفندي) تجمع بين جميع الخلائق وأضدادها، وإليك لوجه المقابل للوجه الأول
عرفناه - منذ عرفناه - أنه من خاصة أوائل الرجال الذين بذروا بذرة الوطنية في صدور الأمة التي استكانت دهراً طويلاً لحكم الأتراك، وفي مقدمة الرجال العاملين في الأحزاب العربية التي كانت تضمهم غاية واحدة، وأن تظاهرهم آنذاك بالتفرق والتحزب والتشيع، يعمل هذا الحزب مع الفرنسيين، وذاك مع الألمان أو الإنجليز، لم يكن سوى خدعة ووسيلة للاستعانة بهؤلاء الأقوياء على الخلاص من حكم الأتراك الأقوياء الأشرار، ولكن غايتهم ومرمى سعيهم كان منصباً على نيل الاستقلال، وإعادة تأليف دولة عربية إسلامية تسير في