ثم عرفناه يحار ب بقلمه السيال، ولسانه الطلق، وبيانه الواضح في كل ميدان من ميادين استنهاض الهمم، ونفض غبار الخمول، واستثارة النفوس، وإذكاء لنخوة العربية
ثم رأيناه يحبس لسانه عن الخطابة، وقلمه عن الكتابة، وقد استبدل بهما بندقية وراح مع الثوار في ميادين الحماة، وجبال حوران، ومع أشاوس الدروز وأبطال منطقة الفوطة يقتنص ضباط جيوش المحتلين، ولم يرم جندياَ من الجنود المرتزقة أو من أبناء المستعمرات إلا فيما ندر.
لقد كانت له مواقع مشهورة، وحكايات في البطولة، ومعلقات في المغامرات، وكان برغم نشاطه العجيب، ونفسه الغدارة، لا يختلف عن المجالس الساسة، ولا يني عن درس أمور الوطن وتطوراته، وإبداء الآراء السديدة، ووضع رسوم الخطط مع الزعماء، غير أنه لما انطفأت نيران الثورة الكبرى التي تأججت سنة ١٩٢٥ من جراء اختصام الزعماء على الرياسة واقتتالهم على المال الذي تبرع به كرام المصريين والأسخياء من أبناء سورية ولبنان في المهجر إعانة لثوار، تحولت فوهات بنادق بعضهم إلى بعضهم الآخر بعد أن كان ت مسددة إلى صدور الأعداء. . أقول ما كادت تنطفئ نيران الثرة وتتفرق جماعات لثوار حتى انكفأ الزعماء والقادة متخاذلين، منهم من يمم دمشق في أعناقهم محارم الاستسلام للغاصب المحتل، ومنهم من لاذ بمصر موئل الأحرار وحصن المجاهدين، يضمدون جراحهم، ويلمون شبعهم، ويوحدون صفوفهم، ويوفقون بين أحزابهم التي كانت في الأصل حزباً واحداً، يستأنفون جهادهم. ومن عجب أن (حصل أفندي) لم يكن مع الجماعة التي لاذت بمصر. بل راح مع من راحوا إلى دمشق يجرع ذل الاحتلال ويغب من صلف الفرنسيين أتراك الغرب
التأمت جراحات العرب الأحرار اللائذين بمصر فعاد إليهم نشاطهم، وتوفزت حيويتهم، وعلا صوتهم يدوي في المجامع والصحف، وما عتم أن أرهف العالم أذنه من جديد يسمع شكاوى هذا الشعب العربي العحيب المتوافرة فيه خصائص العظمة والسؤدد من ناحية؛ وعناصر الاستسلام والخضوع للأمر الواقع من ناحية أخرى. شكاوى فيها ترانيم للحياة، وأناشيد للحرية، وطالبة بالحق المغتصب، وزغردة للثورة، وتهديد بغسل وتطهير الأمة