التي تلوثت بالاحتلال بدماء المحتلين، ومن عجب، بل من سخرية القدر أننا كنا نسمع أصواتاً منبعثة من دمشق بتعب أصحابها كغراب البين يندبون العرب والعروبة. يلتصقون بهم ما هم منه براء، وينادون بالاستسلام للأمر الواقع، والطاعة الشرعية لولى الأمر والخضوع له وإن كان دخيلاً. وقد صار لزاماً على الأحرار المقيمين بمصر أن يحاربوا في ميدانين، ويقاتلوا عدوين، الأول مغتصب عات هو الفرنسي المستمر، والثاني سوري من أبناء الوطن ضالع مع المحتل الذي أفسد الأخلاق والضمائر، وأستبعد الأقلام والألسنة بالمال والشهوات.
في هذه الفترة من القلق والاضطراب، في هذه الآونة الحرجة في حياة أمة رامت النجاة من براثن الذئب فوقعت في مخالب لبؤة جائعة جشعة، في هذه الحقبة التي هي في حكم الضائع من أعمار الأمم، في هذه الفترة برز شخص (حصل أفندي) في مصر كنيته شيطان أو كفطر شق أرضاً رواها الندى ودفعها التعفن!!!
ومن عجب أن الذهن الشامي المفطور على الذكاء اللامع والسذاجة الصافية، أنطمس ذكاؤه وانطفأ نوره وبدت فيه السذاجة بأجلى مظاهرها فرحب بـ (حصل أفندي)(الذي كان ضالاَ فوجد) وغفل أو نسى أنه تخلف عمداً عن ركب أقرانه الأحرار وقد يمم الشام وفي عنقه منديل الاستسلام والعبودية
بل الأعجب والأنقى أن جميع أبواب السياسة فتحت له، وأن أكثر طوايا الصدور نشرت له بغير ما ظن أو شك أو توجس
لقد كنت واحداَ من أولئك الذين خدعتهم أعذار ذلك الداهية اللسن، وانطلت عليه تلفيقا ته البارعة وتمويهه المتقن. . . لقد خفيت حقيقة (حصل أفندي) عن جميع إخوانه وأصدقائه، وأخذ كل منهم ينظر إلى الآخر نظرة فيها معاني النفر المستترة، والصمت على مضض، وما لبثا أن أصبح كل منا يتجنب أصدقاءه الذين وحد بينهم الاعتقال وميادين القتال، وتدبير المؤامرات، ووحدة الغاية الوطنية.
في صدر كل منا حفيظة، وتوجس، وخوف لا شك أن هناك شيطاناً يوسوس، ولأفعى تنفث سمها، وامرأة خداعه! ولكن أين هي المرأة والحية والشيطان؟ وراء أي ناع وتحت أي طلسان أو عمامة يستترون؟