الإعجاب بالفكرة والأسلوب معاً، ومن هذا لا ترضى عن أحدهما في ناحية إلا أغضبك في الأخرى، ومنه جاءت الدَّعويان اللتان تسمعهما دائماً عند ما يستحرُّ الجدل بين دعاة الجديد وأنصار القديم:(هذا أدب فارغ أكثر عنايته بأسلوب الأداء دون المعنى) أو (هذا أدبٌ ساقط يتحيفُ اللغة ويُهمل الجمال الفني في اللفظ)
وكلتا هاتين الدعويين صادقة من وجه؛ لأن الأدب فكرةٌ وبيان، لا يتم تمامه إلا بهما معاً؛ وأنت قلما تجد بين الكاتبين والشعراء من أدبائنا من بجمع إلى جمالِ الفكرة جمال الأسلوب
ولو قد تركنا الأدب في ناحية وأردنا أن نعرف اتجاه الثقافة في مصر بوجهٍ عام، وأثر ذلك في أخلاق أبنائها وفي المثُل العليا التي ينشدونها - لوجدنا مثل هذا الاضطراب وتلك الفوضى، ففي الأزهر ثقافة دينية، ولكنها جامدة لا تتطور، واقفة لا تتحرك، مغلقة من دونها الأبواب فلا تؤثر تأثيرها إلا في أبناء الأزهر وحدهم، أو في المحيط الضيق الذي يضطربون فيه من قسُراهم
على أن في جمود الأزهر مدى طويلاً، قطعاً بين الأزهريين وبين عصرهم، ومن ثم أخذت الثقافة الدينية تتقلص رويداً رويداً، حتى غدت مقصورة على طائفة قليلة من أبناء الريف، وبدأ تأثير الأخلاق ينحسر تبعاً لذلك حتى نوشك بعد قليل ألا نرى أثراً له في نفوس الكهولة والشباب منا
إلى جانب ذلك أخذت الثقافة المدنية في مدارس التعليم العام تفتن أبناءنا بالمناصب والوظائف والسلطان المرموق، فاتجهوا إليها بعقولهم وأفرغوا لها أنفسهم، حتى ما يكاد أبٌ يفكر في تعليم بنيه وبناته إلا ذهب إلى هذه المدارس المدنية
ومنهاج التعليم في هذه المدارس هو ما نعرف، وهو ما يشكو منه واضعوه والقائمون عليه، ولعل شر عيوبه انه لا يرمي إلى غرض عام من أغراض التربية الصالحة، وأنهُ يُعنى أكثر ما يُعنى بتلقين المعلومات وتحفيظ النظريات، فلا الدين، ولا القومية، ولا الأخلاق، ولا المثُل العُليا؛ ومن ثم كانت القومية مريضة، والدين الزائغ، والأخلاق المنحلة، والأمثلة الدُّنيا
هذان نوعان من التربية وأساليب التعليم في مصر، يكاد الشعب بهما أن يكون طائفتين مختلفتي الخلق والثقافة والتفكير كأنما تعيشان في عصرين مختلفين، وهاتان الطائفتان من