للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

متعلمينا وهذان المذهبان في التربية المصرية، هما اللذان يكشفان عن سر الاضطراب في الثقافة المصرية، كما يكشفان عن مقدار الفوضى في اتجاهنا الأدبي

وإننا بسبيل هذا البحث لنُحاول أن نتعرف أي هذين المذهبين ستكون له الغلبة، وأي هاتين الثقافتين أجدر بالبقاء؟

إن تيار العصر يجرفنا في مسراه فما يدع لنا الفرصة أن نتلبث قليلاً لنعرف موقفنا، على أن كلتا التربيتين لا تجديان علينا الجدوى التي تقربنا إلى المثل الأعلى الذي ننشده؛ ولسنا بمستطيعين أن نظل أبداً نحلم بالماضي والحياةُ تتقدم، ولسنا بقادرين على أن ننسلخ من هذا الماضي ونخلع قوميتنا لنعدو في غبار الأوربيين، فلا غنى لنا عن المزاوجة بين هاتين الثقافتين والمزج بينهما، لنخرج من ذلك بمنهج تعليمي صالح، يحفظ علينا قوميتنا، ويصل بين ماضينا والعصر الذي نعيش فيه

على أن فوضى الأدب ودعوى الجديد والقديم، يجب أن ينتهيا إلى غاية؛ فما في اللغة والأدب جديد ولا قديم، وما حسن أن نتنكر لتراث أدباء العربية الماضين بدعوى التجديد، ولا أن ننكر حكم العصر وسنة التطور بالدعوة إلى القديم؛ فما ينهض هذا إلا بذاك، وما يستطيع بانٍ أن يبني على غير أساس، ولابد لمن يتهيأ لحمل رسالة الأدب لينشئ فيه الجديد الذي تُنصت له الدنيا ويفاخرُ به العصر، أن يأخذ لهُ عدته ويتزود بزاده: فيتوفر على دراسة الأدب القديم، ويستمع إلى أئمته، ويروى عيونه، ويستظهر من روائعه، ثم يأخذ بسببٍ من كل علمٍ وفن مما يعرفه عصرُه، فإذا اجتمعت له الأسبابُ واستكمل الأهبة، عاد إلى دنياه التي يعيش فيها، وإلى عصر الذي يتصل به، وإلى الأحداث التي تنفعل بها نفسهُ، وإلى عواطفه التي انطبعت فيها صورة دنياه؛ ثم ليُنشئ ما ينشئ، فسيأتي بالجديد في الديباجة الصافية، وبالمعنى البكر في العبارة المستقيمة، وبالشعر الرائق في اللفظ الجزل، وبالفكر العميق في البيان الساحر

ولكن أين نجد هذا مما يدرس هنا وهناك، وما نجد هنا وهناك إلا فكراً بلا بيان، أو بياناً بلا فكر؟ وما نرى هناك وهنا إلا رطانة مستعربة، أو عربية فارغة، نسميها الجديد والقديم!

على أن في مصر مدرسة نحمد أثرها، ونذكر يدها على الأدب والثقافة العربية، هي مدرسة دار العلوم، فهي الصلة بين الثقافتين، والملتقى بين الغريبين؛ جمع منهجها بين

<<  <  ج:
ص:  >  >>