الثقافة العربية والإسلامية التي تدرس في الأزهر، والثقافة المدنية التي تدرس في المدارس العامة؛ فإلى جانب دراسة الدين، ونصوص اللغة، وتراث السلف من أدباء هذه الأمة وعلمائها - يدرس التاريخ، والفلسفة، وأشتات من الرياضة والعلوم والفنون والآداب؛ فمن أجل ذلك كان لدار العلوم هذا الأثر القوي في النهضة الأدبية الحاضرة، وكان لأبنائها السبق في كثير من ميادين الإنتاج؛ وأنت ترى فيما يبدعه الكتاب والشعراء من أبناء دار العلوم، طابعا خاصا قلما تراه فيما ينتجه غيرهم من الكتاب والشعراء؛ ذلك لأنهم درسوا القديم دراسة روية وفهم، وعاشوا في عصرهم كما يعيش أهله؛ فلم ينسلخوا عن ماضي أمتهم، ولم يتخلفوا عن عصرهم، فكانوا بذلك صلة التاريخ بين ماضيه وحاضره
تلك شهادة الحق لهذه الدار التي أنشأها إسماعيل منذ ستين عاماً ونيف، فنهضت بتبعاتها على أكمل وجه، وأدت أمانة العلم أحسن أداء، نذكرها لها منصفين في الوقت الذي تحاول فيه أحداث الزمان أن تنال منها وتنكر جدواها
على أن فضل هذه الدراسة ليس مقصوراً على أثرها في اللغة والدين؛ فلعلها المدرسة الوحِدة التي تخرج المدرس القومي، والمدرسُ في بلدنا - كمناهج التعليم في مدارسنا - لا يراد منه أن يمثل الروح القومي أكثر مما يراد منه أن يكون مدرس مادة بعينها، ولكن خريج دار العلوم بحكم ثقافته وتربيته، هو وحده يمثل الروح القومي أصدق تمثيل، بعربيته، ودينه، وخلقه، ومكانه من زمانه؛ فليت وزارة المعارف عرفت له ذلك فلا تدعه في هذه الدائرة الضيقة من برنامج عمله المحدود، فان مصر في حاجة إلى هذا الروح القوي ليبعث في التلاميذ من أبنائها معنى القومية وينشئهم التنشئة القويمة التي تؤهلهم لحمل تبعات الجهاد في المستقبل القريب
ونحن مستيقنون أن دار العلوم يوم ينفسح لها الميدان لتؤدي رسالتها ويمكن لها لتنهض بما استعدت له، ويزاد في مناهجها ما يؤهلها لأن تنظر في كل جديد فتتبع أحسنه - نكون قد عرفنا الاتجاه الأدبي الذي نسير إليه، ورسمنا لنا في الثقافة منهاجاً صالحا، لا يمكن للأجانب أن يغزونا في آدابناً وعقولنا، بعد أن نالوا منالهم من أرضنا وأموالنا.