الأمن أو هيئة الأمم المتحدة لتحكم بيننا وبين بريطانيا المغتصبة الجريئة على حقوق خلق الله، وعلى الإيقاع بين الأمم والشعوب، وعلى خلق المشكلات التي لا وجود لها، كما فعلت في فلسطين، ثم تظاهرها بعد ذلك بأن حل هذه المشكلات هو همها، وهو تعب صبه الله عليها وحملها إياه، وهي كانت تتمنى لو زعمت أن الله لم يصب عليها هذا التعب ولم يحملها عبء حله وتصريفه حتى تبلغ إرضاء المختلفين في هذه المشكلات!! وهي تريد أن تخدع الأمم في مجلس الأمن أو في هيئة الأمم المتحدة بهذا الكذب الأبلق، وعندها من أفانين الدعاية وأساليب الصحافة، ومن رجال القلم واللسان ما يعينها على إجازة هذا الكذب الصرف إلى عقول الرجال في مجلس الأمن أو سواه. وهي تعلم أن هؤلاء الرجال قليلا ما يعرفون من سيئاتها ومظالمها وبغيها وجرائمها وآثامها في هذا الشرق الذي ابتلى بها وبخداعها.
وظني بساستنا، هداهم الله، أنهم يعرفون هذا حق المعرفة، فإن لم يكونوا يعرفونه فقد نبهوا مرارا ويوما بعد يوم، فهم الآن على أتم علم بما يخاف وما يتجنب في ساعة العسرة التي نحن فيها منذ فتح الله مغاليق القلوب المصمتة فأدركت أن المفاوضة عبث لا يجدي ولا يغني، وإنما هو الجهاد العام في سبيل نيل الحق المغصوب. فما معنى هذا التدابر إذن؟
معناه أن هؤلاء الساسة قوم تصرفهم أهواؤهم لا حقوق هذا الوطن الذي أعطاهم حق الحياة فيما أعطى، ومعناه أيضاً أنهم قوم جمدوا على سياسة لا يحسنون غيرها ولا يفهمون الأشياء إلا على أسلوبها، وهو أخس الأساليب، ومعناه أيضاً أنهم يجهلون معنى خروجنا من أسر المفاوضات وارتفاعنا بقضية وادي النيل إلى مجلس الأمن أو هيئة الأمم المتحدة. ولو هم نفوا من صدورهم هذه الشحناء القديمة البغيضة لأدركوا موقف مصر والسودان حق الإدراك. فالأمم لا ترتفع إلى مجلس الأمن أو هيئة الأمم إلا في القضايا التي تهدد السلم العالمي، أي التي يخشى أن تجر إلى حرب مبيدة بين الأمم، فإذا ارتفعت أمتان إلى المجلس أو الهيئة لكي يحكم بينهما؛ فمعنى ذلك أنهما قد بلغا مبلغا يمكن أن يسمى (حالة حرب) كما يقولون اليوم، وإذن فاحتكامنا إلى مجلس الأمن معناه أن ههنا (حالة حرب) يراد من مجلس الأمن أن يتداركها. فإذا كان ذلك كذلك فهل في عقل عاقل أن تكون أمة في ساعة أشبه بساعة حرب، فإذا رجال من قادتها يقومون ليتنابزوا بالألقاب ويتكايلوا بالتهم،