للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عظيماً لمقاومتها؛ وكان رائدي في تلك المقاومة أن الحق على الدوام في جانبي، وقد كانت سيرة المرحوم الإمام الشيخ محمد عبدة وما لقيه من خصومة صماء خفية، وانتصاره على خصومه أكبر مشجع لي في الثبات أمام حجة خصومي. وقلت لنفسي: أين أنت أيها المصلح العظيم لترى كيف ابتعد الأزهر عن مبادئك العالية، وتجاوز عن رسالتك الرفيعة التي سموت بها فوق الأغراض الوضيعة والمطامع الدنيوية والمنافع المادية.

وعلى الرغم من جهادي الضعيف في مقاومة خصومي، ما كنت لأستطيع أن أبرهن لفضيلة الشيخ الظواهري على إخلاصي وحبي للدين الحنيف، وأني لست دخيلا، ولكنني رجل يؤمن من أعماق روحه بالرسالة المحمدية النبيلة، وأريد أن أحصل على معاونة رجال الأزهر للوقوف على تعاليم الإسلام، مع علمي بأن هذه الشريعة السمحاء ليس بها أسرار يمكن إذاعتها في البيئات العلمية، لأنها ديانة مؤسسة على ثقافة ثابتة مكشوفة للعالم لا تمييز فيها بين الأجناس والألوان. وليس الأزهر سوى الجامعة الإسلامية الحق التي تضئ شعلة الحق، فلا أسرار في جوانبها يمكن إخفاؤها عن رجل أجنبي مهما كانت صفته. ألا يعاقب الله كل مسلم يرمي أخاه بالشرك والكفر والتشكك في عقيدته المقدسة؟ ألا يعاقب أيضاً أولئك الذين لا يقومون بواجب الدعاية والإرشاد للإسلام، والذين يخفون أسرارا في قلوبهم؟ يشهد الله أنني لا أرمي من وراء ذلك أن أوجه التهم جزافا، أني لا أملك هذا الحق، ولكنها صرخة ضعيفة أردت أن أنفس بها عن صدري.

إن الأزهر بحسب نظامه الحالي لا يستطيع أن يؤدي رسالة الإسلام كما يجب. فالنظام الحديث الذي أدخل عليه، والحيلولة دون اجتماع الطلاب في حلقات الدرس كما كانوا قبلا حول شيوخهم، مسخ الأزهر وشوهه، وأفسد ما كان قد بقي له من جمال وجلال وحرمة، وأفقده سيطرته الدينية والاجتماعية في العالم الإسلامي، تلك السيطرة التي ظل متمتعاً بها قرونا عدة. ويلوح لي أن البرامج الحديثة لم تقدم الأزهر خطوة واحدة، لأن المشرفين على تنفيذها جعلوا هدفهم الأسمى فتح أبواب العمل في وجوه الطلاب، وتمكينهم من احتلال الوظائف المدنية دون أن يفكروا في تحميلهم ثقافة الإسلام على وجهها الصحيح وإرشاد المسلمين إلى الخير وتفقيههم، ودعوة غير المسلمين إلى الدخول في دين الله كما نص ذلك القرآن الكريم. يجب إذن أن يترك الأزهر ليكون جامعة الإسلام الحق، وأن يعد طلابه

<<  <  ج:
ص:  >  >>