لحمل رسالة الحق، وتهيئهم للوعظ والارشاد؛ أما فتح أبواب العمل واحتلال الوظائف المدنية فأشياء ثانوية قد تصرف الأزهر عن الغاية التي أنشئ من أجلها.
وعلى الرغم من وجود عدد كبير من العلماء الجهابذة في هذا العهد الإسلامي العظيم فان الضغط أطفأ في قلوبهم روح المعرفة والتعطش إليها. على أن الإسلام في عرفي يحتاج إلى حرية كاملة في البحث والتنقيب والفكر. ولقد ولد الإسلام في مهد الحريات فيجب أن يظل كذلك، لأنه يحث على حب الحقائق والصدق والتغلغل في أعماق المعرفة. وتقدم الأزهر لا يتم بتشييد العمارات المهيبة العظيمة، وإقامة عمد من الرخام والمرمر، وصنع مقاعد الدراسة من الأخشاب الثمينة، وإنما يتم بالتمسك بالعروة الوثقى، وإزالة الصدأ الذي ران القلوب من التمسك ببعض التقاليد والعقائد المزيفة، وفي الإجماع على توحيد كلمة الحق ووضع الأنظمة الإلهية في المكان اللائق بها. ألم يقل الله عز وجل:(خلق لكم ما في الأرض جميعاً) أو كما قال الرسول الكريم (تفكروا في خلق الله، ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا).
ولما يئست من معاونة رجال الأزهر قر في عزمي أن أقوم بدراستي وحدي مستعيناً بمعلم خاص تكرم بتضحية جزء من وقته لتعليمي، كما ألفيت مساعدة عظيمة من بعض أصدقائي بالقاهرة، كالأستاذ محمود تيمور الذي يجمع بين ظرف الشباب وطهارة الشيوخ، والشاب النابه محمد أمين حسونه الذي عرفني إلى طائفة من أدباء مصر وصحفييها، وأعارني مكتبته طيلة إقامتي في مصر، والباحث محمد عبد الله عنان الذي يعد حجة في التاريخ الإسلامي، والشيخ الوقور عبد الوهاب النجار الذي له أتباع وتلاميذ منتشرون في أنحاء الأرض، وقد كان سبباً في تعرفي بكثير من إخواني المسلمين، وكانت كتب توصيته بمثابة مفتاح يفتح أمامي كل باب.
وفي أواخر فبراير زودني الأستاذ النجار بكتب توصية بمناسبة عزمي على أداء فريضة الحج؛ وكان له الفضل الأكبر في تقديمي إلى (بنك مصر)، ذلك الصرح المالي العظيم الذي يتناول من جملة مشروعاته الاقتصادية تنظيم سبل السفر إلى الأقطار الإسلامية المقدسة. ومما يذكر مع الأسف العميق أن أعمال الحج كانت تقوم بها قبل ذلك شركات ملاحة أوربية لا علم لها بما تتطلبه حاجات الحجاج المسلمين، فكانت بواخرها تحمل المشروبات