الروحية، وتقدم إلى الركاب الطعام الأوربي، ولا تكترث بأن تهيئ لهم الماء الكافي للوضوء ولا إقامة مصلى يؤدون فيه الفرائض الشرعية.
أما (بنك مصر) فقد نظم للحج باخرتين كبيرتين تعدان من أكبر البواخر، وزودهما بكل ما يحتاج إليه الحجاج من وسائل الراحة والمأكل بحيث يشعر المسافر أنه لم يفارق بلاده. وقد كانت بغيتي أن أستقل إحدى هاتين الباخرتين، لأنني عددت نفسي مصريا بعد أن شربت من ماء النيل، ولكني لم أتمكن وا أسفاه من نيل بغيتي، فان قانون شركة كلاحة مصر يمنع من نقل الحجاج الأجانب على هذه البواخر، وعلى الرغم من المجهود الذي قمت به وتوسط الهلباوي بك لم أوفق، واضطررت إلى السفر على إحدى بواخر الشركة الخديوية.
وقامت بنا الباخرة باسم الله مجراها تشق برزخ السويس، فرحت أفكر في تاريخ ذلك المضيق الذي كان سبباً في فصل أفريقيا عن آسيا، بل كان فاصلا بين حقبتين من أحقاب التاريخ؛ ومع أنه قرب مصر من أوربا فقد جعل لمصر مركزا سياسياً ممتازاً بحيث أصبحت جزءا من أوربا. وبينما أنا غارق في غمار تلك الأفكار إذ اقترب مني فريق من الحجاج وبدأ التعارف بيننا بسرعة. كان بينهم طبيب هندي تصحبه كريمته، ولكن لسوء الحظ لم يكن هذا الطبيب يعرف اللغة العربية حرفا واحدا، فاضطررنا أثناء السفر إلى التحدث باللغة الإنجليزية. وفي ذات يوم نظر إلى نسخة من القرآن الكريم في يدي، وهي الطبعة التي تولتها المطبعة الأميرية، فأعجب بها أيما إعجاب، وطلب إليَّ أن أبتاع لحسابه ألف نسخة من هذه الطبعة ليبعث بها إلى الهند إذ لا توجد هناك مصاحف جميلة من هذا النوع.
وكان بالباخرة أيضاً حاج مراكشي، يشغل وظيفة قاض في فاس، وكان صبوح الوجه، وقوراً، أميل إلى التزام الصمت، لكنه ما كاد يسمعني أتحدث بالعربية مع أحد الحجاج الأتراك حتى أقبل إلينا واشترك في الحديث. ولشد ما أعجبت بتبحر الرجل في العلوم الإسلامية والفقه، كما أن لباسه الشرقي الفضفاض كان يخلع عليه طابعاً من الرزانة والوقار؛ أما صاحبنا التركي فكان أحد ضباط الشرطة في دمشق، وبعد اعتزاله الخدمة آثر أن يبقى في سورية حيث تعلم اللغة العربية؛ وكان طيلة السفر يشكو مر الشكوى من الأنظمة الحديثة في تركيا وبالأخص ترجمة القرآن وتشويه هذه الترجمة بحيث لا تؤدي