وأبخرتها إثر الاحتراق والتسامي من حالة الصلابة إلى الغازّية حيزاً كبيراً جداً. ويندفع لسان اللهب بعد الطلقة ويسير عشرين متراً، كما ترتد الاسطوانة عقب كل انفجار مائة وستين سنتيمتراً إلى الوراء رغم صدِّها وفرملتها بأسطوانة تحوطها مليئة بالجليسرين والهواء المضغوط. وترتفع القذيفة (الدَّانة بالوصف العسكري) في الهواء إلى ستة آلاف متر؛ ويحتاج المدفع الثقيل إلى ١٣٥ جندي لإدارته وتشغيله. والمدفع مصفّح من الأمام بدرع متينة لحماية جنود النيشان وضبط آلات الرصد. وتكلف الطلقة الواحدة ما يقرب من ألف جنيه. وتزن القذيفة تسعمائة كيلو جرام
وتتطلب هذه المدافع أسساً قوية تتحمل الضغوط والرضوض والأثقال. فالأرضية منها تُبنى لها حصيرة من الأسمنت المسلح أو ظهر الحديد المصبوب في قوالب. تربط هذه القوالب ببعضها ويحوطها سِياج من الحديد يضمها إلى بعضها، وهي بهذا الوضع يمكن نقل أساساتها. أما المدافع الثقيلة في البوارج البحرية فهي من الأعمال الهندسية الجبارة. وتحمل بعض وحدات الأسطول الإنجليزي من هذا المدفع ما سعة قطر فوهته ١٤ بوصة من الداخل. وهي مثبتة على ظهور السفن ذات السطوح المدرعة، وروعي فيها الإقلال من الوزن قدر المستطاع لضمان حرية في التوجيه والدوران أكبر، وزوايا الارتفاع والانخفاض
وما دمنا قد ذكرنا بعض ما قامت به المدافع الثقيل الأرضية من أعمال في هذه الحرب فلنعرض كذلك لبعض ما قامت به المدافع البحرية الثقيلة ولننوه بعملها الشاق ليل نهار في الانسحاب الناجح من أوربا بعد تسليم الجيش البلجيكي ولندلل على البسالة في بحار الشمال قبالة الساحل النرويجي. كما برهنت المدفعية البحرية الثقيلة في الأسطول الإنجليزي على تقاليد عظيمة وهندسة عالية وفن راق في مياه البلطيق والبِلت والاسكاجراك وفي البحر الأبيض مواجهة الساحل الليبي وفي البحر الأدرياتيكي مكنت لهندستها وصيتها ذيوعاً وإحقاقاً من ضرب العدو الإيطالي في عقر بحره وفي وهران ودكار. وبعض أعمال البطولة البحرية والرماية المدفعية أكدتها روالبندى وجارفس بي وكوزاك وأشيل وأجاكس وسدني. والمدفعية الساحلية الثقيلة في جبل طارق ودكار وكاليه ودوفر وهي كلها آيات ناطقة بالمكنة الهندسية والمقدرة الصناعية والعقل الإنساني وصفحات عظيمة في التاريخ