ودبت الحيات في القاهرة من جديد، وودعت عهد الفتن التي سادتها حيناً من الدهر، واستقر فيها الأمر واستقام الحكم، وبدأت عناية الوالي تنصرف إلى البناء والتعمير، والإصلاح والتجديد، فبنى مسجد محمد علي بالقلعة على نسق تركي بديع، وأصلح مسجد عمرو بن العاص بمصر العتيقة، وجدد مسجد السيدة زينب وأصلحت أجزاؤه المتهدمة وزخرفت جدرانه وزينت أركانها بالنقوش البديعة، وصلى فيه الوالي صلاة الجمعة يوم ١٤ ربيع الآخر سنة ١٢١٧هـ.
وشهدت القاهرة في عهد تلك الأسرة أفراحاً ومعالم تذكر بأفراح الفواطم ولياليهم الخوالد، وكانت أضواء الثريات تنعكس ليلاً على بركة الأزبكية، وتتراءى النجوم في جوانبها فيخال الرائي أن سماء ركبت فيها. وأقيمت السواري وركبت القناديل، ونصبت المصابيح، وأديرت المطابخ، واستمر اللهو في القاهرة أياماً. واجتمع اللاعبون والراقصون والمغنون وأصحاب الفردة والمضحكون يبعثون إلى النفوس ألواناً من السرور.
وكان مهرجان الزفاف - كما تذكر كتب التاريخ - شيئاً عجيباً، وازدحمت قنطرة الموسكي وباب الخلق ودرب الجماميز، والصليبة والسروجية والجمالية والأزبكية بآلاف من الناس ومئات من العربات.
حدث ذلك في عهد محمد علي باشا، وحدث بصورة أروع في عهد اسماعيل حينما تزوج أبناؤه الثلاثة. ولقد ظلت القاهرة في فرح كامل مدة أربعين يوماً لما تهدأ لها عين، ولم يسكن لها طرف، ولم يخبُ فيها ضوء. . . وكانت الموائد موصولة غير مقطوعة؛ وأصناف الطعام تروح وتغدو على المدعوين فيجدون تنوعاً ولذة، وغصت الساحات الرحاب والعرصات الفساح بالفرق الغنائية، فهذا (الحمولي وتخته)، وذلك (الدمياطي وجوقته). واشترك في هذه الحفلات الغني والفقير، والصغير والكبير، والأمير غير الأمير. ففي داخل القصر لهو ولعب، وفي خارج القصر فرح وطرب، وفي الشوارع زحام بالمناكب، وفي شرفات المنازل أجسام مشرفة ورؤوس مطلة، وفي النيل قوراب ومراكب غصت بالراكبين.
ولا شك أن هذه الصورة الجملية التي لم نراها رأي العين تذكرنا بأفراح القاهرة في قرن الفاروق، فقد رأيناها وقد لبست أبهى حلة وأكمل زينة، وزيَّنتها ثريات الكهرباء، وسطعت