فوق دورها الأنوار الساطعة والأضواء اللامعة، وبدا قصر عابدين وكأنه قبس من نور، أو قطعة هائلة من البلور؛ وامتدت أقواس النصر هنا وهناك وقد جللتها الأنوار، وكللتها الأزهار، وازدحمت القاهرة بالوافدين إليها على قُطُر تنهب الأرض وتطوي الفضاء، وكان في كل بقعة فرح، وفي كل رقعة سور.
وفي عهد هذه الأسرة اختطت في القاهرة شوارع جديدة، وأنشئت أحياء حديثة. ففتح شارع السكة الجديدة، وشارع الموسكي، ومُهِّد الطريق بين القاهرة وبولاق، وفتح شارع محمد علي فتحاً جديداً أزيلت بسببه بيوت قذرة، وحارات ضيقة، ومنعطفات مظلمة. وكذلك كان حال شارعي الفجالة وشبرا. وأقيمت على حفاف هذه الشوارع بيوت عالية وقصور كبيرة لا تزال بعض بقاياها إلى اليوم. وبهذه الحركة الإنشائية خلقت القاهرة خلقاً جديداً، وقضى على كثير من مبانيها الخربة، وخرائبها القذرة، وبركها المنبثة في داخلها، وأقيم على أنقاض ذلك كله شوارع واسعة طويلة، وبيوت أخذت تجاري التقدم العلمي وتماشي التطور الهندسي حتى وصلت إلى ما نشاهده اليوم من قصور عالية رفعت لمخترق السماء سموكها، وكادت تلامس الجوزاء قممها، حتى كأن البحتري كان يعني كل قصر منها بقوله:
ذُعر الحَمام وقد ترنم فوقه ... من منظر خطر المزلة هائل
وأخذت مكانة القاهرة تعظم وشهرتها تتسع، حتى زاد إقبال الملوك والأمراء عليها، وكثرت رحلة العلماء والأدباء إليها. فزارها في عهد إسماعيل - غيرَ من شهدوا حفلة افتتاح قناة السويس - السلطان عبد العزيز الخليفة العثماني سنة ١٨٦٣ وتجد وصفاً ممتعاً لزيارته في كتاب نفحات تاريخية لعزيز بك خانكي؛ كما زارها:(فلوبير)، و (تيوفيل جوتييه)، و (رينان)، و (شارل إدمون)، و (سولسي)، و (إدمون أبوت) صاحب كتاب (أحمد الفلاح) وكثير غيرهم.
وجمِّات ميادين القاهرة في عهد تلك الأسرة بالتماثيل المقامة تخليداً لذكرى الأبطال والعظماء؛ فأقيم في الميدان المعروف اليوم بميدان الملكة فريدة تمثال البطل الفاتح إبراهيم باشا، الذي نقل بعد الثورة العرابية إلى موضعه الحالي بميدان الأوبرا. وأخذت فكرة إقامة هذه التماثيل تزداد وتتسعكل يوم، حتى رأينا منها إلى اليوم تمثال لاظ أو إلى في الميدان المنسوب إليه، وتمثال سليمان باشا الفرنساوي، وتمثال سعد زغلول عند نهاية جسر الخديو