للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الذين شقوا هو أم من الذين سعدوا.

وإذا كان لوثر قد مكن لحرية الفرد وشعوره بذاتيته وكيانه، فإنه في الوقت نفسه مكن لسلطة الأمراء، وذلك لأنه استعان بهم واعتمد عليهم واستغل رغبتهم في التخلص من سلطان الكنيسة ومطالب الكنيسة. أما كلفن فقد كانت فلسفته ترمى إلى التحرر من كل سلطة استبدادية، سواء أتمثلت في الكنيسة أم في الأباطرة والملوك والأمراء؛ وكانت نزعته ديمقراطية ترمي إلى الاعتماد على جمهور الناس، وكان يرى أن القوى هو الله وحده وان الذي يخشى هو الله وليس غير الله؛ فالناس جميعا ملوكهم وسوقتهم أمام قوة الله سواء، وليس على الأرض من يتمتع بما يسمى حقا إلهيا وإنما الحاكمون هم ممثلو إرادة المجموع، وكان يرمي بآرائه هذه إلى تدعيم نظامه الكنسي الذي كان قوامه قوما يختارون من عدد من القساوسة وعدد من غير رجال الدين لإدارة الكنائس الكلفية، فلا سلطة على كنائسه لبابا ولا لأمير.

وثبتت عقيدة الخوف من الله وحده في نفوس اتباعه عدم الخوف من غيره بل والتمرد على كل مستبد من ذوي الطغيان؛ ولكن إذا كانت هذه الحرية حقا للفرد، فعليه فيما يقابلها واجب يتلخص في اتباع المبادئ الخلقية التي رسمها كلفن، وكان صارما كل الصرامة في تنفيذها. وعنده أن الفضائل تطلب لذاتها أولا قبل أن تطلب طمعا في ثواب أو خوفا من عقاب.

حرم كلفن الخمر والميسر والرقص والخلاعة وأعمال السحر والشعوذة والربا الفاحش وفرض لكل منها عقوبة صارمة وجعل عقوبة الزنا الموت، وكانت وظيفة كنائسه إرشاد الناس ومراقبتهم وأخذهم بالشدة إذا فرطوا في جنب الفضيلة.

شاعت اللوثرية والكلفنية في أوروبا، ثم انتقلت آراؤهما إلى إنجلترة؛ فكان أثرها هناك على صورة خاصة توضحها مشاعر الإنجليز واثر البيئة في تلك المشاعر.

ونقصد اثر البيئة الطبيعية وما يتصل بها من مؤثرات مناخية، فما لا شك فيه أن لهذه البيئة فعلها في تكوين مزاج أهلها على نحو معين، ثم فعل الوراثة متمما لفعل البيئة فتتكون مشاعر الأمة بمرور الزمن وهذه المشاعر هي مزاجها العام.

وكان لبيئة الضباب والسحاب والبرد الشديد ولأعاصير الهوج والغالات الموحشة والبحر المخوف أثرها في بث نوع من الظلمة العابسة والجد الصارم يشبه أن يكون كآبه في

<<  <  ج:
ص:  >  >>