مشاعر الإنجليز والأمم التيوتونية على العموم؛ وقر في مشاعرهم أن صعوبة الحياة وقسوتها ضرب من القدر يقاوم في شجاعة وتحد، ويذعن له في رضى واستسلام؛ وذلك على خلاف ما كان في الطرف الجنوبي الشرقي لأوروبا مثلا حيث الشمس والدفء والنور كانت تبث المرح والحيوية في مشاعر الإغريق، وتميل بهم إلى متع الحياة ومسراتها.
فلما تحررت العقول نتيجة للنهضة الأوربية العامة، لم يكن عجبا أن يتجه الإنجليز بعقولهم المحررة إلى أمور الدين أكثر مما اتجهوا إلى مسائل العلم والفلسفة والفن، وأحدثت آراء كلفن أثرها العميق في نفوسهم وعلى الأخص رأيه في القدر المحتوم الذي لا سبيل قط إلى تغيير حكمه.
وعم تيار النهضة فغمر الحياة العامة وأشاع فيها البهجة والمرح والجمال والزينة، والرغبة في الاستمتاع بجمال الحياة ولذاذاتها، فكان منه ربيع حافل يتمثل في العصر الأليزابيثي أو عصر شكسبير
ولكن الربيع لم يطل؛ وما ذلك إلا لأنه كان أمرا طارئا على مشاعر الأمة غريبا على مزاجها العام. وما أسرع ما استيقظت تلك المشاعر من حلم العصر الأليزابيثي فكانت يقظتها هي البيوريتانية وفلسفتها التي أخذت تسيطر على المجتمع الإنجليزي. والفرق بين ما أنتجته العقول في الأدب والفن في العصر الأليزابيثي أو عصر شكسبير وبين ما أنتجته في العصر البيوريتاني أو عصر ملتن، يرينا مدى التغير الذي اخذ يطرأ على الحياة بعد حلم النهضة. ولقد لوحظت شواهد ذلك التغير في فن شكسبير نفسه في أخريات ايامه، وتجد أمثلة لذلك في روايتيه (العاصفة) و (قصة الشتاء).
هذه اليقظة من الحلم البهيج الفاتن، أو هذه الفلسفة التي عادت بمشاعر الأمة إلى طبيعتها هي روح البيوريتانية، ولكن رد الفعل كان شديدا؛ فداخل الحياة الإنجليزية نوع من التزمت الشديد كان أكثر مما تطيق النفوس في مواطن كثيرة، والبرهان على ذلك ما شاع في الأمة من سرور مع الملكية العائدة بعد زوال عهد كرمويل.
وقد رأينا كيف ظهر البيوريتانز كجماعة أول الأمر حين أصدرت الملكة اليزابيث مرسوم توحيد العبادات عام ١٥٥٩، ورأى فريق من رجال الدين انه كان ينبغي أن يكون المرسوم أكثر تخلصا من مظاهر روما والكنيسة البابوية، فهؤلاء هم البيوريتانز. ونستطيع أن نلمح