نظرة في هذه المفردات ثقفنا على الصلة الوثيقة بين دلالاتها وبين علم النفس. إذ يقول مثلاً في مضلع النمط الرابع في الوجود وعلله (تنبيه: (وفي نسخة إشارة) اعلم إنه قد يغلب على أوهام الناس أن الموجود هو المحسوس وان. . . وأن. . . وأنت يتأنى لك أن تتأمل نفس المحسوس فتعلم منه بطلان قول هؤلاء، لأنك ومن يستحق أن يخاطب تعلمان أن هذه المحسوسات في هذا النص تنبيه على وهم باطل، والوهم في الطبيعيات والإلهيات يعارض العقل في مأخذهما، والباطل يشاكل الحق في مباحثهما. وبعد أن نبه على هذا الوهم دعا إلى التأمل في هذا الوهم لكي نعلم بطلان قول هؤلاء الواهمين.
ويقول (وهم وتنبيه: ولعل قائلاً منهم يقول: أن الإنسان مثلاً إنما هو إنسان من حيث له أعضاء من يدعون وحاجب وغير ذلك، ومن حيث هو كذلك فهو محسوس، فننبهه ونقول له. . .) فهو يعرض للوهم عرضاً أميناً غير مشوه، ثم ينقض عليه بتنبيهه إلى فساد هذا الوهم، ثم يتلوه تذنيب أي تفريع لهذه الفكرة فيقول:(تذنيب: كل حق فأنه من حيث حقيقته الذائبة التي هو بها حق فهو متفق واحد غير مشار إليه، فكيف ما ينال به كل حق وجوده) ويظل يأتي بتنبيه ثم تنبيه ثم إشارة بعد إشارة ويستأنف تنبيها آخر يرد فيه بإشارة ثم تنبيه على أوهام حتى يخلص من كل هذا بفائدة.
هذا، ولأن دلت التنبيهات والإشارات على الجانب النقدي من أفكار ابن سينا في (الإشارات) فإن تلك الفوائد التي يأتي بها بين الفينة والأخرى تدل على الجانب الإيجابي أو البنائي في فلسفته.
ويقول (هداية): إذا فرضنا جسماً يصدر عنه فعل، فإنما يصدر عنه إذا صار شخصه ذلك الشخص المعين، فلو كان. . .) والبارز في هذا النوع أنه جدل لم يبلغ حد البرهان بالمعنى الصحيح، إذ البراهين عند ابن رشد أنواع هي: البرهاني، الجدلي، الخطابي، المغالطي، كما هو مفصل بكتاب (مناهج الأدلة).
ويقول (مقدمة: المعنى الحسي إلى مثله يتجه (هكذا) الإرادة الحسية والمعنى العقلي إلى مثله يتجه الإرادة العقلية، وكل معنى يحمل على كثير غير محصول فهو عقلي) يأتي ابن سينا بهذه المقدمة لإثبات النفوس الفلكية، ويأتي بعدها بإشارة إلى النفس الفلكية ذات إرادة