للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عقلية، وهذه الفكرة الأخيرة ولا شك في حاجة إلى تلك المقدمة التي هي بمثابة مدخل لها. وبعد الفراغ من تبيان امتناع كون القوى الجسمانية غير متناهية التحريك بالقسر يأتي بمقدمة لبيان امتناع كونها غير متناهية التحريك بالطبع أيضا، ويتلو هذه المقدمة مقدمتان بعدهما يشير وينبه ما شاءت له الإشارات والتنبيهات.

ويقول: هداية وتحصيل: فقد بان لك. . . فيكون كذا. . . وقد علمت أن. . . فنكون كذا. . . وقد علمت. . . فيجب إذن أن يكون. . . وأن يكون. . .) ولا شك في أن هذه الهداية محصورة في قوله (بان لك) و (علمت) ولا شك أيضا في أن التحصيل يمثله قوله (فيكون) و (يجب أن يكون) وهما بمثابة نتيجة منطقية مترتبة على ما سبق تبيان وعلم. ثم هو يأتي بعد هذا بزيادة وتحصيل، فيقول: وليس يجوز كذا. . . ويلزم كذا فيجل أن يكون كذا ويعقب بزيادة تحصيل فيقول (فمن الضروري إذن أن يكون. . .) أي أن النتيجة صارت من القوة بحيث صارت ضرورية (أو من الضروري) على حد تعبيره. وثمت نوع غير التنبيه بجعل غير اليقظان كالنائم يقظان، ذلك هو التبصرة، وفيه يجعل غير البصير كالأعمى يرتد بصيراً، والفرق بين التبصرة والتنبيه أن البحث في تلك أوضح مما في ذاك. وعند المبالغة في حث الغافل عن إدراك شيء حاضر أمام عينية إنما يكون باتهامه بالعمى أكثر من اتهامه بالنوم، والحث بهذا النوع - على البحث كفيل بأن يصير الأعمى بصيراً ولا سيما في الموضوع الذي نحن بصدده، وهو بيان أن النفس غير البدن، وغير حالة فيه، وذلك موضوع تبصرة من تلك التبصرات السينية. ثم هو يستعمل اصطلاحاً وهو اشد من سابقه واقوى مفعولاً فيقول: زيادة تبصرة: تأمل أيضاً أن القوى القائمة بالأبدان يكلها تكرر الأفاعيل لا سيما القوية منها. وخصوصاً إذا. . . ويزيد هذه التبصرة مرتين بعد هذا.

وهنا نشعر بأن ابن سينا قد انتقل من ميدان الإلهيات إلى ميدان البيولوجيا فيذكرنا بقوانين (التنبيه) وشتى الاستجابات المترتبة على التنبيه وكيف يتم ما يسمى في هذا العلم باسم (التوتر) و (فترة العصيان) ونقف قليلاً حيال هذا الجلال الفلسفي لنرى كيف أن ابن سينا يلقي من الضوء الفلسفي إلى المشكلة بقدر ما تسمح به وأهميتها، فهولا يتفلسف لأنه يريد أن يتفلسف، وإنما التفلسف عنده غالي ثمين أو كما يقول الطفرائي: (غالي بنفعي عرفاني

<<  <  ج:
ص:  >  >>