بقيمتها) ولأن (شرف العقل من شرف موضوع تعقله) كما يقول أرسطو.
وقفة أخرى عند براعة ابن سينا في إقامة القواعد والأصول لعلم النفس التعليمي. فقد كان بهذا سباقاً إلى وضع تصميم لفن (التربية العلمية) إذ ينبه الغفلان بإشارة، ويبصر الأعمى على ضوء الفلسفة، فيستبصر كلاهما على هدى من المعرفة، فلا يعود يخبط أو يتوهم.
وابن سينا لا ينبه بإشارة حيثما اتفق، ولا يبصر الأعمى كيفما كانت التبصرة، وإنما كل شيء عنده بمقدار، كما ينبه كلا بحسب طاقته، فالعبد يقرع بالعصا، والحر تكفيه الإشارة، والأعمى يعوزه كشف الغشاوة عن باصرتية، ولا أظن بعد التبصرة زيادة لمستزيد بعد تحصيل الفائدة التي لا ورائها.
وإذا عرفنا أن الإشارة لغة هي الإيماء والتلويح بالكف والعين والحاجب وأن التبصرة لا تكون إلا بهتك الحجب ورفع ما للغياهب من ضغوط، أمكننا أن ندرك إلى أي حد بلغ ابن سينا في براعته التعليمية. فها هو ذا ينتقل من الإشارة بالكف أو الإصبع يتطلبها كل ذهن بليد - إلى إيماء بالعين - يلازم العامة من الناس - إلى التخاطب بلغة العيون حين تأهبت القلوب وتعطلت لغة الكلام. قال لقلب
نسر الهوى إلا إشارة حاجب ... هناك وألا أن تشير الأصابع
ويربى عليه شوقي إذ يقول
وتعطلت لغة الكلام وخاطبت ... عيني في لغة الهوى عيناك
وفي انتقال الإشارة هكذا من الكف إلى العين إلى الحاجب مسايرة لاستعداد المرسل إليه، وارتقاء به أو على الأصح منه عن الطريق الحسي الوضع إلى عالم المعاني والأفكار، والفكر قوة كما يقول ومن القلب إلى القلب رسول.
هذا ما تنطوي علية الإشارات والتنبيهات وزيادات التنبيهات والتبصرات وزيادة التبصرات، وما تتطلبه طبيعة كل ذهن من هذه الاصطلاحات (والرجل نفسه يقول في فاتحة الإشارات) وأنا أعيد وصيتي واكرر التماسي أن يضن بما تشمل عليه هذه الأجزاء كل الظن على من لا يوجد فيه ما اشترطه في آخر هذه الإشارة) ولعل هذا مصدر الوحي للغزالي في كتابه (إلجام العوام عن علم الكلام).
وبعد أن يستفيض ابن سينا في بحث ما، يعقب بالتذكير فهو أجمع لمقاصد الفصول المتعلقة