بهذا البحث، والغرض منه هنا إنما هو (إعادة تصوير الجميع معاً) كما يقول الطوسي.
ويستعمل أيضا (متذكرة وتنبيه) فيقول (أليس قد بان لك كذا - وكذا) وهذا الاستفهام الاستنكاري معناه حث الذهن على استرجاع ما قد غاب عنه، وهذه وسيلة لها خطرها في تحقيق النشاط الذهني الذي لا يقل عن التبصير شاناً. بل هو أمس بالحياة النفسية أو الذهنية منه بالحسيات وما يليها.
وانه ليدل قبيل النمط الرابع على (موعد وتنبيه) فيعني به في النمط السادس ويستخدم (النكتة) وهي في اصطلاحه ذكر لمثال من تلك الأمثلة التي تكشف عن الغامض وتجلوه.
وهكذا يمنح ابن سينا ألفاظه حياة لها أطوراها، وبذلك ثار على المعاني الجامدة التي كادت تودي بحياة اللغة والمعاني جميعاً. وليست بدعه ابن سينا في هذا المجال قاصرة على نقل المعنى من الأصل إلى المجاز - فذاك عمل هين لين للأدباء والشعراء - وإنما الإبداع الحق في جعل اللفظ يحمل معنى نفسياً أي في منحه روحاً يتحرك بها ويفعل، وهذه ناحية أقفرت منها اللغة العربية وخلت منها ألفاظها.
وأمعن من ذلك في البراعة ما استجده ابن سينا في كلمة (الوهم) والأصل أنه الطريق الواسع، أو الواضح الذي يرد الموارد ويصدر المصادر، وهو أيضا الجمل العظيم والرجل العظيم. وإذ يقول ابن خلدون (تاهوا في بيداء الوهم) معناه أن الوهم كالبيداء في سعتها على سبيل تشبيه المضاف إليه بالمضاف، وقال لبيد:
ثم اصدر ناهماً في وارد ... صادر وهم صداه كالمثل
وتقدم (الوهم) في سلم التطور والارتقاء حتى صار سراً نفسياً تترجم عنه خطوات القلب وجمعه أوهام. قال الشاعر:(فلأيا عرفت الدار بعد توهم) والتوهم - بمعنى التفرس - مرحلة انتقال من المادية إلى اللامادية.
ثم اصطبغ الوهم بصبغه معرفية فاعتبره (المختار من قبل التصور وقال لأحمد فكري بصدد كلامه عن العلم) وهو دقيق وبحر عميق، وبالمطالعة حقيقي، ولطالبي العلم يليق، وهو بحث يتناول عند الحكماء: اليقين والشك والوهم والتقليد والجهل) وصرح الغزالي بأنه يسر تحديد العلم بعبارة محررة جامعه للجنس والفصل الذاتيين فإن ذلك متعسر في أكثر المدركات الحسية فكيف لا يعسر في الادراكات الخفية. والشك - عند صاحب دستور